خديعة مشايخ الاستغلال: أنتِ ممسوسة

     
أنباء عدن             عدد المشاهدات : 171 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
خديعة مشايخ الاستغلال: أنتِ ممسوسة

 

خديجة خالد

 

.

 

الاكتئاب هو حالة العذاب التي تكون بها أنت السجين والسجان؛ كما يقول أحد الفلاسفة، وهو الوضع الذي أدى إلى انعزال فاطمة عبدالرحمن وابتعادها عن المناسبات، تقول: "يأتيني ظن أن كل اثنتين أمامي يتكلمن عني بسوء، تفكير زائد، أحلام مزعجة، خوف شديد يصاحبني معظم وقتي".

 

تضيف لـ"خيوط": "الشعور بالضعف والفشل، كل هذا صاحبني سنوات، وعامًا بعد عام يزيد، حتى لزمت غرفتي وخيّم عليّ وسواس شديد؛ أهلي بادروا بإسعافي لأقرب مركز طبي. الطبيب المناوب هناك قال إن عندي التهابات بالأمعاء وحمى التيفوئيد، وقرر لي كمية كبيرة من العلاجات التي ضاعفت حالتي".

 

تواصل شرح معاناتها: "أمي قالت (الراقي) هو الحل، وإني ممسوسة. مركز الراقي المكتظ بالنسوة اللواتي سمعت صياحهن ورأيتهن وهن يغمى عليهن، وكيف يتم ضربهن وكهربتهن، زاد في قلبي الخوف وفي نفسي الجزع، وتضاعفت حالتي للأسوأ؛ قال الشيخ الراقي: إن الشيطان الذي يتلبسني خاف من قراءته وبدأ يؤذي جسدي النحيل؛ هكذا ظللنا عنده عامين، والنتيجة أنني حفظت بعض القرآن؛ أما نفسيتي فاستسلمت للجنون واقتنعت من الحياة، ومرات عديدة هممت بالانتحار، حتى عاد أخي من الخارج وقام بإسعافي إلى صنعاء، حيث تم عرضي على طبيبة نفسية، كانت المنقذة بعودتي للحياة من جديد".

 

مرتادون ذهبوا إلى مثل هذه المراكز التي تسمى بالرقي أو "القرّاء"؛ يجمعون على أن من يطلق عليهم بالمشايخ أو القرّاء يعمدون إلى استغلال المريض وتحذيره من الذهاب للأطباء النفسيين لأن علاجهم يؤدي إلى الجنون وفقدان العقل، ومنهم من أقر بالعلاج النفسي إلى جانب قيامه بما يُعرف بـ"الرقية الشرعية".

أما أم صالح، من أحد أرياف محافظة الضالع، فتقول لـ"خيوط": "بنت أخي عانت الأمرّين من زوجها ومعاملته السيئة، وأمها متوفاة. كانت تعيش الضر وتكظم الغيظ حتى أُصيبت بوسواس قهري واكتئاب؛ لكن والدها وزوجها أصرّا على أن الذي بها هو مس و(جني) عاشق؛ لذلك يُلزمها الجلوس وحيدة في الغرفة. ورغم معرفة أحد الأطباء بحالتها وأنها تعاني من الوسواس والاكتئاب؛ فإن زوجها رد بعنف: عندنا المرأة لا تصاب بهذه الأمراض، إنها ممسوسة ونحن نعالجها عند الشيخ في مركز (الفلاح)، الشيخ بدوره قدح في الطبيب، وقال إنه سيشوّه سمعة البنت؛ وبعد أشهر تفاقمت حالتها، حيث أغلقت على نفسها الغرفة، وانتحرت!".

 

نتائج كارثية للخرافة

 

عندما يتم الإقبال على المفاهيم والأفكار، وخصوصًا الدينية منها، من غير أدنى تحليل أو إدراك علمي وعقلي، يتم إعطاء حظّ وافر للخرافة في أن تحضر وتنتعش. فالعقلية الساذجة والبسيطة التي تؤمن من غير تحقُّق أو استفسار، تكون أكثر قبولًا للخرافات، وأكثر اعتقادًا بها. 

 

كما تكون أكثر تقبُّلًا للأفكار التي تنطوي على معطيات غير علمية وغير مقبولة عقلًا، والتي تكون في أصلها سببًا موضوعيًّا في ولادة وصدور الخرافات؛ وذلك لأن الخرافة -وانطلاقًا من الإدراك العلمي لجذورها، والأسس الذاتية لها- تولد وتنتشر من عنصرين اثنين، لتصبح مع مرور الزمن تلك الحقيقة التي لا يمكن التخلّي عنها، ويُبذل الغالي والنفيس من أجلها، وهما: عنصر نفاذ الأفكار والمفاهيم غير الواقعية، وعنصر المسلكيات غير الصحيحة، وهذا ما يحصل عند القرّاء مع الأمراض النفسيين، والإيمان المطلق بهم دون مراعاة النتائج الكارثية.

 

الاختصاصي النفسي الدكتور صخر الشدادي، يتحدث في تصريح لـ"خيوط"، عن الهروب إلى القرّاء ومضاعفة الحالات المرَضية، بالقول: "إن الحالات المرَضية التي أُخِذت إلى (القراء) أو المشعوذين في حالات كثيرة، تفاقمت حالتها وزادت الأوهام والشكوك بأنه عُمِل لها (أسحار)، وتراكم الأعداء بالظن أن الذين عملوا لها السحر هم أكثر الناس محتكين بها؛ ولذلك يحدث عندها أحيانًا نوبات انفعال وعدائية".

 

يضيف الشدادي: "وصلت عندي حالة تعرضت لصدمة، وأخذها أهلها للمشعوذ، وأوهمهم بأنها ممسوسة، متلبسها (جني) عاشق، وأكد لها ألّا تتزين، لأنها كلما تتزين سينام "الجني" معها، ومن هذه الخرافات والشعوذات".

 

وبعد مرور سبع سنوات، جاءت بها أسرتها إلى هذا الطبيب النفسي، حيث كان زوجها قد توفِّي، وتفاقمت معاناتها، ويؤكد الشدادي أنه تم علاجها وتماثلت للشفاء، في حين يتم تحويل الحالات الشديدة إلى المستشفى الخاص بالرقود؛ لأن الحالة تكون متفاقمة وشديدة وعدائية. 

 

تعمد استغلال المرضى

 

ترصد "خيوط" في استطلاع أجرته من عدة محافظات، ردود أفعال مرتادين ذهبوا لمثل هذه المراكز التي تسمى بالرقي أو "القرّاء"، إذ يجمعون على أن ما يطلق عليهم بالمشايخ أو القرّاء يعمدون إلى استغلال المريض وتحذيره من الذهاب للأطباء النفسيين، لأن علاجهم يؤدي إلى الجنون وفقدان العقل، ومنهم من أقر بالعلاج النفسي إلى جانب قيامه بما يُعرف بـ"الرقية الشرعية".

 

هدى عاطف، من إحدى المناطق وسط اليمن، تقول لـ"خيوط": "كنتُ بعد وفاة زوجي أشعر باكتئاب شديد وضيق، كرهتُ نفسي وكل من حولي؛ ذهب بي والدي إلى أحد المعالجين بالرقية، القارئ الشيخ محمد الزمان. بعد ثلاثين دقيقة من قراءته عليّ سألني عما أعانيه، ومن ثم قال لأبي: يجب أن تذهبوا بها لطبيب نفسي، فحالتها المرَضية نتجت عن حزن أصابها، وهي سليمة من المس أو السحر"، وتؤكد أنه تم الذهاب بها إلى أحد المراكز الطبية، وتحسنت حالتها تدريجيًّا، حيث ما تزال مستمرة في العلاج.

 

من جانبها تقول أم عبدالرحمن، من محافظة إب (وسط اليمن)، لـ"خيوط": "بعد أن وجدتُ أعراضًا غريبة على ولدي الوحيد، أخبرني أحد الجيران، وهو رجل دين، أن ولدي فيه عين حاسدة ويجب القراءة عليه، ونصحني بالذهاب به إلى منطقة "معبر" بمحافظة ذمار، فهي المكان الأفضل للقراءة والعلاج". تضيف: "عملنا بنصيحته وذهبنا إلى معبر، مع الاستمرار في التردد على هذا المكان طوال عامين؛ حيث كانت حالته تبدو مستقرة، وعند العودة إلى المنزل في إب تتضاعف حالته المرَضية".

 

في ظل عدم تحسن حالته، تم أخذه إلى أحد المرافق الصحية، وبعد عمل فحوصات ورنين تبين أن عنده شحنات كهربائية، وقد تضاعفت وبات علاجه شبه مستحيل، كما أفادهم بذلك الطبيب المعالج الذي أخذوه إليه.

 

تناول هذا الموضوع لفت انتباه الجهات المختصة في عدن التي سيكون لها إجراءات ستقررها مع جهات أخرى مختصة مثل وزارة العدل والداخلية، لإيجاد شروط وضوابط تنظم عمل هذه المراكز، وإجراءات رقابية أخرى للتأكد من المرضى الموجودين في هذه الأماكن التي تعمل بدون ترخيص.

في السياق، يؤكد الشيخ محمد الشميري، مدير أحد مراكز "الرقية" والتغذية العلاجية، لـ"خيوط"، أهمية أن يكون العلاج مزدوجًا لأي مريض، فالمصاب بالسحر تموت عنده الكثير من الخلايا، وهذا يحتاج إلى طبيب نفسي وعصبي إلى جانب العلاج بالقرآن الكريم .

 

يضيف الشميري: "هناك أيضًا حالات تصاب بحالة نفسية إثر صدمة أو كارثة أو إدمان للعقاقير المخدرة أو بسبب بعده عن ذكر الله والصلاة، وهذه كلها تغير من حياة الشخص ومن طبائعه، فلا بد من متخصص بالإرشادات النفسية والعلاجية يقوم بعمله مع هذه الحالات، ولا يترك جانب الرقية؛ لأن القرآن شفاء لما في الصدور، وبه تهدأ النفوس وتُشرَح الصدور. كما أن هناك أيضًا حالات اكتئاب وقلق وتغير مزاج؛ بسبب نقص فيتامينات ومعادن تحتاج إلى متخصص بالتغذية يقوم بحل الإشكالية".

 

مراكز غير قانونية 

 

الدكتور عبدالرقيب محرز، مدير عام الخدمات الطبية بوزارة الصحة بعدن، يقول في هذا الخصوص لـ"خيوط"، إن وزارة الصحة لم تعطِ مراكز العلاج بالرقية الشرعية أي تصريحات؛ وإن التصريحات الحاصلة عليها المراكز هي إما من وزارة الأوقاف أو وزارة العدل، والأخطاء المرتكبة في هذه المراكز تعتبر أخطاء جنائية ولا تدخل ضمن الأخطاء الطبية.

 

الدكتور محرز ثمّن اهتمام "خيوط" بالجوانب الماسّة بكيان وصحة الإنسان اليمني؛ وإن تناول هذا الموضوع لفت انتباه الوزارة التي سيكون لها إجراءات ستقررها مع جهات أخرى مختصة، مثل وزارة العدل والداخلية، لإيجاد شروط وضوابط تنظّم عمل هذه المراكز، وإجراءات رقابية أخرى للتأكد من المرضى الموجودين في هذه المراكز. يتفق معه الدكتور علي جحاف، وكيل قطاع الطب العلاجي في وزارة الصحة بصنعاء، الذي تحدث لـ"خيوط"، بالإشارة إلى أن هذه المراكز تعمل بدون ترخيص، ويجب ضبط وتنظيم عملها.

 

ويؤكد كثيرون، منهم الكاتب الصحفي صالح المنصوب، لـ"خيوط"، أن التيارات الدينية أثّرت بشكل كبير بأفكارها الجامدة التي قيدت المجتمع بوصايتها على كل شيء حتى الطب، مشددًا على أن علاج الجانب النفسي ليس عيبًا لدى المجتمعات المتعلمة، وهو لا يختلف عن الأمراض الأخرى، لكن التخلف والعيب في المجتمع المحلي يجعلهم يخافون حتى من ذكر وتعريف هذا الأمر بالمرض النفسي، ويطلقون عليه (الجنون)، بينما يعتبرون السحر مرضًا مؤقتًا يزول بالرقية؛ ولا يعلمون أن ذلك مرض نفسي يخلق الاكتئاب والأوهام والوساوس، ويجب على الأطباء علاجه، ويظل القرآن بكونه عقيدة راسخة بمعانيه وفهم علومه ومصطلحاته، علاجًا روحيًّا بين يدي قارئه، موضحًا في آياته السعي للشفاء في طرق عدة، فهو طريق هداية للوصول إلى الحقيقة واضحة البيان؛ لكن البعض اتخذوه وسيلة للكذب والخداع والتدليس، مغلّفين فيه أفكارهم التي يستطيعون من خلالها استغلال الناس .

 

.

//

 


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

قرارات جديدة من البنك المركزي بسحب وإيقاف تراخيص منشآت وشركات صرافة في عدة محافظات

تهامة 24 | 930 قراءة 

الكشف عن أهداف الغارات الإسرائيلية على صنعاء 

تهامة 24 | 770 قراءة 

خبير اقتصادي يكشف عن قرب انطلاق مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي بدعم دولي غير مسبوق

تهامة 24 | 615 قراءة 

مقتل قيادي بارز متأثراً بإصابته خلال غارات إسرائيلية على صنعاء (الاسم والصورة)

يني يمن | 523 قراءة 

الرباعية الدولية تبحث هيكلة مجلس القيادة الرئاسي بصيغة جديدة

الأمناء نت | 509 قراءة 

محلل عسكري يفاجئ الجميع ويكشف عن أسباب عدم استهداف إسرائيل لقيادات مليشيا الحوثي

جهينة يمن | 480 قراءة 

عاجل : الرباعية الدولية تقرر هيكلة مجلس القيادة الرئاسي بصيغة جديدة "تفاصيل "

جهينة يمن | 463 قراءة 

شاهد صورة مفزغة..جثث تتطاير في السماء جراء غارات إسرائيلية عنيفة على صنعاء

جهينة يمن | 423 قراءة 

خبير يفجر مفاجأة.. اليمن يدخل المرحلة الثانية من التعافي الاقتصادي والصرف يتجه نحو 350 للسعودي

نافذة اليمن | 353 قراءة 

اول تعليق على القرارات الحاسمة التي صدرت في عدن الليلة

كريتر سكاي | 325 قراءة