عواصف الغربة.. تجارب إنسانية تعكس معاناة العودة إلى الوطن المفقود في زمن الحرب والشتات في رواية “خيار العودة “يوميات أديب” لعبد الغني المخلافي

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 24 مشاهده       تفاصيل الخبر
عواصف الغربة.. تجارب إنسانية تعكس معاناة العودة إلى الوطن المفقود في زمن الحرب والشتات في رواية “خيار العودة “يوميات أديب” لعبد الغني المخلافي

خمسة أفراد صعدنا فوق جيب الباجيرو، حيث طلب المهرب أن أكون إلى جواره. بهذه الكلمات، أستهل رواية “خيار العودة: يوميات أديب” للكاتب اليمني عبد الغني المخلافي، التي تأخذنا في رحلة مثيرة مليئة بالتحديات. بأسلوب سردي جميل، تبرز الرواية تلك اللحظات الفاصلة التي تعكس معاناة الأفراد الذين يسعون للعودة إلى وطنهم في ظروف غير مواتية. يشير هذا الاقتباس إلى بداية مغامرة محفوفة بالمخاطر، حيث يتوزع الهم والقلق بين شخصيات الرواية، مما يثير تساؤلات حول ما ينتظرهم في الطريق.

في إهدائه، يوجه المخلافي تحية إلى أستاذه يحيى الأحمدي وأصدقائه الأوفياء، مما يعكس عمق الروابط الإنسانية وأثرها في تشكيل الهوية الأدبية. إن هذا الارتباط يبرز أهمية العلاقات في الحياة، ويظهر كيف يمكن للأصدقاء والمعلمين أن يكونوا مصدر إلهام ودعم في لحظات الشدائد.

عبر نص شعري يتسم بالقافية الرائية، يتأمل المخلافي في مشاعر الفقد والحزن، معبرًا عن تعب نفسي عميق نتيجة الحذر والتوجس. يستخدم تعبير “وطنٌ بطعم الملح مفقوءُ النظر” ليعكس مرارة الفراق وفقدان الأمل. كما يعبر عن انكساره بقوله “قلبي انفطر”، مشيرًا إلى خيبة الأمل. يحمل النص مشاعر عميقة من الحزن والحنين، ويعكس تجربة إنسانية في البحث عن الهوية والأمل في زمن الفوضى.

يطرح المخلافي في استهلال الرواية فكرة مثيرة حول الكتابة، حيث يصفها بأنها “درب المجانين الوعر”. يعكس هذا التعبير التحديات الخطيرة التي يواجهها الكتاب، ويشير إلى ضرورة الوعي والقدرة على مواجهة “فيروس الجهل” الذي قد يدفعهم نحو فقدان البصيرة. هنا، يتجلى وعي الكاتب الاجتماعي العميق، حيث يدعو إلى المقاومة والتسلح بالمعرفة.

تمتد الرواية على شكل فصول مرقمة من 1 إلى 14، بحيث تعكس ترابطًا وتكاملاً بين الأفكار. هذه الأرقام لا تعكس استقلالية تامة، بل تشكل نسيجًا موحدًا ينسجم مع الرؤية، مما يمنح القارئ شعورًا بالاستمرارية. كل رقم في هذا السياق يمثل جزءًا من تجربة شاملة، مما يعزز من تأثير السرد.

تتعمق الأحداث عندما يجد بطل الرواية نفسه بعد اثنتين وعشرين عامًا من العمل في المملكة العربية السعودية، محاطًا برسوم الإقامة وأعباء مالية تثقل كاهله. حولت تلك الظروف القاسية واقعه إلى معاناة لا طاقة له بتحملها. فقد تراكمت عليه الأعباء المالية، بينما تلاشت الفرص وتوقفت أنشطته التي كانت تؤمن له نوعًا من الاستقرار.

في ظل هذه الأوضاع الصعبة، لم يجد أمامه سوى خيار العودة إلى وطنه اليمن، رغم أنه كان يعني التخلي عن أحلامه. إلا أن العودة بالطرق النظامية كانت ستكلفه الكثير من النفقات التي لا يملك القدرة على تحملها. لذا اضطر إلى اللجوء إلى طريق التهريب عبر الحدود، وهي رحلة خطيرة تشكل محور أحداث الرواية “خيار العودة.. يوميات أديب”.

عبر صفحات اليوميات، ينقل الكاتب معاناة البطل وتعبه وتخبطه في الظروف القاسية التي واجهها، وكأنها مغامرة فريدة مليئة بالمفاجآت وتشابك الأحداث التي تستحق أن تُصوّر في مشاهد سينمائية، خصوصًا خلال عبوره للهضاب والجبال والطرق الوعرة.

في النصف الثاني من رواية “خيار العودة”، يبرز التحول العميق في تجربة الراوي بعد عودته إلى وطنه بعد غربة دامت 22 عامًا في السعودية. يجسد هذا النص شعور الغربة المتواصل، حيث يجد الراوي نفسه في حالة من العزلة عن واقعه، رغم عودته الجسدية. وعلى الرغم من أنه كان يعود إلى الوطن بشكل دوري، إلا أن الفجوة الزمنية التي قضاها بعيدًا جعلته يشعر بأنه غريب في وطنه. يتجلى هذا الإحساس بالعزلة في وصفه للواقع الذي يراه مخيفًا ومثيرًا للقلق. يشير إلى أن الحرب قد غيرت كل شيء، مما يزيد من شعوره بالانفصال عن مجتمعه.

لذا، يختار الراوي العزلة كوسيلة للتعامل مع هذا الشعور. يمنح نفسه فرصة للغوص في عالم الكتب والفن، مما ينقل القارئ إلى عالمه الداخلي. يتناول تفاصيل حياته اليومية، وعند لقائه بأهل قريته، يواجه نظرات الاستغراب ممن حوله بسبب اهتمامه بالفن. هنا يظهر الصراع بين الرغبة في التعبير الإبداعي والواقع الذي يفرض عليه مواضيع محدودة ومكررة.

كما يشير إلى أن القرية ليست المكان المناسب للإبداع، فهي تفتقر إلى الأنشطة الثقافية التي كان يتطلع لممارستها. تعكس هذه الإشارة تأثير الحرب على الحياة الثقافية، حيث تعيق الظروف الصعبة تطور الفنون والأدب. في هذا السياق، يشعر الراوي بالحنين إلى النشاط الثقافي الذي شهدته خلال فترة إقامته في الغربة.

يرى أن الكتابة هي ملاذه الوحيد، حيث يجد فيها متنفسًا. يتحدث عن طقوسه الكتابية ويصف كيف تؤثر الكتابة على مزاجه. في لحظات الإلهام، يشعر بالسعادة، بينما تعكر الكتابة المتعسرة مزاجه. تعكس هذه الثنائية الصراع الداخلي الذي يعيشه الأديب بين الإبداع والقلق، مما يزيد من تعقيد تجربته.

تعكس نصوص “يوميات أديب” تجربة الغربة المستمرة والتغيرات العميقة التي تطرأ على الوطن والمجتمع. من خلال لغة سردية سلسة، يعبر الراوي عن مشاعره وأفكاره، مما يجعل القارئ يتفاعل مع صراعه الداخلي ومعاناته. إن النص ليس مجرد توثيق لعودة جسدية، بل هو استكشاف عميق للهوية والانتماء في عالم متغير.

بناء السرد بطريقة منطقية وممتعة

تتسم اللغة المستخدمة في رواية “خيار العودة: يوميات أديب” بالرصانة والواقعية، حيث يعتمد الكاتب على مصطلحات قريبة من الحياة اليومية، مما ينقل تجربته الشخصية بأسلوب يجذب القارئ. فالعبارات مثل “انتظرت تأشيرة خروجي” و”كنت في تحرق للمغادرة” تعبر بعمق عن الحالة النفسية للكاتب، مما يساعد القارئ على الإحساس بمعاناته والتعاطف مع مشاعره.

يعتمد أسلوب السرد في النص على تسلسل زمني للأحداث، مما يسهم في بناء القصة بشكل منطقي ومترابط. يبدأ الكاتب بوصف الوضع الحالي، ثم ينتقل بسلاسة إلى تفاصيل الانتظار والصعوبات المالية، مما يخلق جوًا من التوتر والترقب. كما أن استخدام تفاصيل شخصية، مثل الانتقال إلى مسكن قريب بسبب عطل التكييف، يضفي عمقًا على السرد ويعزز من ارتباط القارئ بالشخصيات.

بشكل عام، تعكس هذه النصوص تجربة إنسانية حقيقية، مدعومة بلغة بسيطة وأسلوب سرد يركز على المشاعر والتفاصيل اليومية. وهذا التوجه يسهل على القارئ التفاعل مع القصة وفهم أبعادها، مما يجعل الرواية تجربة غنية تعكس عمق المشاعر الإنسانية في مجملها.

لقاء افتراضي في زمن الشتات

قبل فترة، كنت أستعرض منشورات فيسبوك كالمعتاد، حيث لفتت انتباهي نصوص أدبية وقصائد نثرية متنوعة، غارقة في جمالها وتفاصيلها. كان أسلوب الكتابة شيقًا، يأخذ القارئ إلى عوالم مختلفة دون أن يشعر بالملل، بفضل الربط السهل والمفعم بالخيال بين الأفكار.

أثناء قراءتي لنصوصه، شعرت أن الكاتب يتمتع بغزارة في اللغة الأدبية الرشيقة، كأنه ينبوع لا ينضب. ومن خلال ملامحه، شعرت بأنه قد يكون لي معرفة سابقة به، خاصة أن لقبه “المخلافي” هو نفسه لقبي، مما يدل على أننا ننتمي إلى منطقة واحدة.

تواصلت معه عبر الماسنجر، وبدأت حديثي بالتعبير عن إعجابي بأعماله الأدبية المميزة، ولم يكن هو أقل حماسًا، فقد أبدى إعجابه بكتاباتي أيضًا. بعد ذلك، سألته عن قريته في مخلاف شرعب، فأخبرني باسم قريته المحاذية لقريتي. هنا، تذكرت ملامحه وقلت له: “أنت ابن علي دبوان، وأخوك رشيد”، فأجابني بنعم.

تجددت ذكريات الطفولة في ذهني، حيث كانت تجمعنا مباريات كرة القدم في ملعب حول المسيجد القريب من قريته. لكن ظروف الحياة باعدت بيننا، فقد أخذته الغربة إلى المملكة العربية السعودية لمدة اثنين وعشرين عامًا، بينما غادرت قريتي قبل خمسة وعشرين عامًا لأعيش في غربة داخل الوطن، متنقلًا من عدن إلى صنعاء.

كانت آخر زيارة لي إلى قريتي قبل ثماني سنوات، قضيت فيها أسبوعًا واحدًا، ولم أعد إليها منذ ذلك الحين. كل ذلك نتيجة ويلات الحرب والصراع الذي لم ينتهِ حتى الآن منذ قرابة تسعة أعوام. آمل أن يأتي اليوم الذي يجتمع فيه كل اليمنيين في وطنهم ليعيشوا في سلام وأمان.

من التمرد على التعليم إلى الإبداع الأدبي

نشأ عبد الغني المخلافي في كنف جده بعد انفصال والديه وهو في الرابعة من عمره، مما ترك أثرًا عميقًا في وجدانه منذ طفولته. على الرغم من لحظات السعادة، إلا أن تلك المرحلة لم تخل من التحديات التي شكلت ذاكرته وأثرت في نصوصه الشعرية.

في المرحلة الابتدائية، تمرد على التعليم المنظم وفضل التعلم على يدي جده وحفظ بعض من القرآن، بينما استحوذت عليه الحكايات وقصص الأطفال. مع الوقت، تطورت ميوله الأدبية لتشمل السير الشعبية والروايات والشعر، مما أضفى على حياته طابعًا من الخيال.

كرة القدم لم تكن مجرد لعبة، بل شغف حقيقي. تابع أخبارها ومسابقاتها، لكن ولعه بمسلسلات الأطفال كان له الأثر الأكبر في خياله، حيث زرع فيه حب المغامرة والتأمل في جماليات الطبيعة.

في سن الخامسة عشرة، بدأ الكتابة رغم مواجهة نقد لاذع حول عدم استكمال تعليمه. لكن هذا النقد كان دافعًا لتطوير أدواته الأدبية. وبغياب الدعم والتشجيع، خاض تجربة الكتابة كرحلة مليئة بالتجارب والتحديات، معبرًا عن مشاعره بأسلوب إنساني عميق.

بعد سنوات من الاعتزال، اكتشف عالم الإنترنت الذي فتح أمامه آفاقًا جديدة. مع إصداره الأول في 2015، بدأ يتعامل مع الكتابة بمسؤولية، مكونًا هوية شعرية خاصة به. قصائده تعكس فضاءً واسعًا من الإبداع، حيث لا حدود تعيق خياله، بل مغامرة تحمل تجارب جمالية تدفع المتلقي للتفكير.

يتفاعل مع بيئته اليمنية الغنية، حيث يُعتبر التراث مصدر إلهامه، مما يعكس انتماءه لعالمه. هذا يُظهر أن الإبداع ليس محصورًا بالشهادات التعليمية، بل هو نتاج تجربة إنسانية غنية تُصقل بالقراءة والتجربة. مسيرة عبد الغني المخلافي تذكير بأن الفنون لا تعترف بالحدود، وأن الإبداع يمكن أن ينشأ من أبسط الظروف.

ختامًا، تتجلى رواية “خيار العودة: يوميات أديب” كعمل أدبي عميق يعبر عن تجربة إنسانية فريدة تتمحور حول الغربة، الهوية، والحنين إلى الوطن. من خلال أسلوبه السردي المميز، يستعرض المخلافي التحديات التي تواجه الأفراد في سعيهم للعودة إلى وطنهم، مما يعكس الواقع المرير الذي يعيشه الكثيرون. إن الرواية ليست مجرد سرد للأحداث، بل هي دعوة للتأمل في الروابط الإنسانية وأهمية الإبداع في مواجهة الأزمات. من خلال تجربته الشخصية، يؤكد المخلافي أن الإبداع يمكن أن ينبع من أصعب الظروف، مما يفتح آفاقًا جديدة للتفكير والتعبير.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

40 مليون يمني ينتظرون الأربعاء القادم مفاجأة كبرى وحدث تاريخي

المشهد اليمني | 7463 قراءة 

طبع صور الرئيس صالح على ظهر بعض العملات المحلية

عدن الغد | 5926 قراءة 

تفاصيل الضربة الجوية القاصمة في قلب العاصمة المختطفة صنعاء

حشد نت | 5158 قراءة 

مصادر : الغارة الأمريكية الدقيقة على صنعاء استهدفت بنجاح "أبوعلي الحاكم"

العاصفة نيوز | 5115 قراءة 

عاجل: أول تصريح لـ”يحيى سريع” الناطق العسكري للحوثيين بعد مزاعم مقتله بغارة أمريكية بصنعاء

المشهد اليمني | 4572 قراءة 

اندلاع معارك شرسة وهزائم ساحقة يتجرعها الحوثيون في هذه الجبهات والطيران يدخل على الخط

المشهد اليمني | 4055 قراءة 

عاجل : شبكة أمريكية تؤكد مقتل ابو علي الحاكم وقيادات أخرى بغارة جوية في صنعاء

وطن الغد | 3898 قراءة 

خبير عسكري يكشف عن الجهة الحقيقية التي أسقطت الطائرة الأمريكية إف18

مساحة نت | 3515 قراءة 

مقتل قيادات حوثية بارزة بينهم أبو علي الحاكم في الغارات الإسرائيلية على صنعاء

وطن نيوز | 2754 قراءة 

في صيدنايا.. العثور على ضابط يمني في سجون الأسد “الإسم وصورة”

موقع الجنوب اليمني | 2694 قراءة