آ
نظم مركز (يمن المستقبل للدراسات والتدريب) ندوة افتراضية بعنوان "ديسمبر انتفاضة شعب وثورة قائد" يوم السبت 30 نوفمبر 2024م، تناولت أربعة محاور مهمة. قدم د/ جمال الحميرى المحور الأول حول "الجذور المذهبية الدخيلة والمعضلة العنصرية في توجهات الحركة"، فيما تحدث د/ فارس البيل في المحور الثاني عن "اطماع الإمبراطورية الفارسية في الخليج وباب المندب". وقد قام د. عادل الشجاع بتقديم المحور الثالث حول "الموت ولغة القوة في ممارسات الحركة الحوثية وتأثيراتها المستقبلية". وفي المحور الرابع تحدث الأستاذ/ عادل الربيعي عن "انتفاضة 2 من ديسمبر بين العهد الجمهوري ومبادئ الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح".
تأتي الندوة ضمن سلسلة من الندوات والفعاليات وورش التدريب التي يقوم بها المركز في جوانب مختلفة لتعزيز الحضور والمشاركة في ظل أوضاع استثنائية وبالغة التعقيد والتي أدارها بكل اقتدار الأستاذ والاعلامي أنور الأشول حيث كان حلقة وصل مهمة وداعمة في طرح الأفكار وتلقي المحاور والتعليق والربط في وتوضيح الكثير من الجوانب في سياق ما طرح من قبل المحاورين والمتداخلين.
في المحور الأول هنأ الدكتور الحميري الشعب اليمني بعيد الجلاء 30 نوفمبر 1967م تاريخ خروج آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب ثم موضحا أهم النقاط التي تهدد العملية التعليمية في اليمن من قبل مليشيا الحوثي وما تكرسه من أفكار تعمل على تلويث الطلاب بفيروس الطائفية والأفكار الدخيلة وخلق جيل مشوه وعدائي، ما سيحول اليمن إلى بؤرة صراع لا نهاية له وسيؤثر ذلك على الجيران.
في السياق ذاته تطرقت ورقة الحميري إلى المناهج وتحريفها باعتبارها المدخل والعمود الفقري لاكتساب الهوية والحفاظ عليها لكونها التربة الخصبة لإعداد جيل نظيف متسلح بالمعارف والقيم والتاريخ والثقافة الواعية.
معتبرا المناهج بمثابة دستور وطني ثابت أهم من كل الدساتير فهي تنظم معظم أفكار المجتمع، وكل ما يطرأ عليها هو تعدي على المجتمع ونشر العنصرية، وتحريف ما دأبت عليه ثورة سبتمبر خلال العقود الماضية وما انتجته من عدالة ومساواة وقيم.
الدكتور الحميري عد ما تقوم به المليشيا حربا مماثلة ركزت على أدلجة الأجيال من خلال التحريف وهي تسابق الزمن في هذا المضمار الخطير.
بصورة منهجية حاول الدكتور الحميري توضيح كافة الأساليب والخطوات التي اعتمدت عليها المليشيا في تدمير التعليم وتحريف المناهج، كما وضع العديد من النقاط لمواجهة هذا التجريف من أجل الحيلولة دون استمرار هذا العبث.
وبحسب الباحث فقد اتبعت المليشيا خطوات منها: التغيير الوظيفي في وزارة التربية وكل ما يتصل بها، الخطوة الثانية: دورات التعبئة السرية والمراكز الصيفية حيث تحولت إلى معسكرات تجنيد تحت هذا الغطاء وتعد قنابل موقوتة، كما اندرج تحت هذا الغطاء الكثير من التفخيخ والتحريف وتكريس الأفكار الرجعية والخرافة، مستهدفة ما يقارب مليون طفل وهو بحد ذاته وباء فكري وتلوث عقلي.
كانت هناك ضمن الورقة احصائيات مهمة منها أنه وصل عدد الملتحقين بالدورات عام 22م إلى 700 ألف طالب وطالبة تحت اشراف أكثر من 40 ألف مدرس وعامل جرى فيها مليون وربع المليون نشاط، وهذه بحسب الباحث كلها ألغاما بشرية في وجه الجمهورية ومفاهيم المواطنة المتساوية.
الطريقة الثالثة: تعديلات ممنهجة للمواد الدراسية، وهي ما دفعت العديد من القيادات وتحديدا الرئيس صالح والأمين الزوكا إلى الاعتراض وكان الأمر مدخل لانتفاضة ال 2 من ديسمبر وجاء ذلك من خلال خطاب واضح فجر الموقف ووضع النقاط على الحروف بحسب الباحث، حيث تم تحريف حتى عام 2024 ما يقارب 1024 موضوعا من مناهج الدراسة تم بالتدريج على سنوات بالحذف أو التعديل أو الإضافة، مستهدفين مادة اللغة العربة/ الإسلامية/ التاريخ/ التربية الوطنية.
كما تحدث عن مخاطر التغيرات التي كانت بمثابة تجريف واحلال ثقافة وشعارات ومواضيع جديدة وطنية وتاريخية واجتماعية ومنها الثورة الخمينية وتشويه التاريخ اليمني، وتكريس الأحقاد والتحريض والعداء والفرز الطائفي وتقسيم الناس إلى سادة وعبيد وعدم تقبل الآخر.
في ختام الورقة التي تضمنت كثير من التفاصيل الدقيقة وبطريقة علمية ومنهجية تطرق لأساليب يمكن من خلالها مواجهة هذه المخاطر وتوصيات مهمة من خلال المجتمع أولا وعدم الاستسلام وضرورة وجود الممانعة من قبل الآباء والنخب والاعيان والأسرة أيضا لها دور متمثلة بـ الأم الأب الأخ الأخت.
كما تقع المسؤولية على المدرسة أيضا والمعلمين الذين يحملون أمانة ورسالة وطنية وقومية، المؤسسات الحكومية تربية واعلام واذاعات، ووزارة أوقاف ومجتمع مدني يجب عليها صياغة ميثاق وطني جامع، وعلى الشرعية أن تدرك أنها مسؤولة على أبنائنا الطلاب في المناطق الخاضعة للمليشيا وليس في المناطق المحررة وحسب كون هناك كثافة سكانية عالية في تلك المناطق.
في المحور الثالث للدكتور عادل الشجاع تحدث فيه عن “الموت ولغة القوة في ممارسات الحركة الحوثية وتأثيراتها القادمةâ€، بدأ حديثه عن الخطابات الأخيرة للزعيم وأنه لم يتم التقاط ما تم طرحه من أي كيان أو جهة، بعد سبع سنوات، ولم تتشكل أي قوى تدافع عن الثورة والجمهورية والحرية وقيم العدالة معتبرًا أن العنف لدى المليشيا وسيلة للاستيلاء على السلطة، وهو الغاية من كل هذا العنف وتكريس نظام حكم غير متفق عليه.
يجزم الباحث أن هذا العنف مرسوم في اطار الجماعة المرجعي فهي تنطلق من (المسيرة القرانية) وهو منطلق مقدس ينفي كل القيم والثوابت ويؤسس لعنف وقمع وممارسات خطيرة كما يحدث اليوم وكأن هناك توجيهات سماوية وهو جزء من تكوينها العقدي، كما أنه سلوك سياسي يحقق أهداف وجدت من أجلها هذه الجماعة
أيضا تطرق إلى تفجير المنازل والاعتقالات وطرق التعذيب وقمع الحريات والتهجير ومصادرة الأموال وتجريف الاقتصاد الوطني وتحويل الشعب الى كتلة من الفقر المدقع إضافة الى زراعة أنواع الألغام وتلغيم الحياة بشكل عام وفرض حكم إلهي.
وقد بين الباحث أن عقيدة العنف تقوم على ثلاث ركائز: زرع الفرقة وتقسيم المجتمع الى سادة وعبيد اقناع كل طرف بمهمته وواقعه من هذا المنطلق، وتقسم المجتمع إلى معسكر الخير وهو الحسيني ومعسكر يزيد ويمثل الشر.
الركيزة الثانية الاستعلاء العرقي ومحاولة فرض واقع على هذا الأساس وانهم سادة والاخرين دونيين وهذا مجسد في عملية اخضاع القبائل رغم انهم قوة حقيقية لو اُستخدمت ضد الحوثي لانتصرت واستطاعت تصنيف الآخر على أنه لا وطني وخائف وداعشي ومتطرف يعمل مع العدوان وجيشت الجيوش وحولتهم الى وقود، ولعل شعار (الموت لأمريكا وإسرائيل) مدخل لتعطيل الحياة وفرض الكراهية والحقد وادعاء طلب الشهادة بينما هم يعيشون تحت الأرض وفي الجروف.
السؤال الأهم الذي طرحه الباحث وأجاب عليه في الوقت نفسه، ما هو مستقبل البلد في ظل هذه الجماعة، مؤكدا أنه لن تقوم قائمة للبلد ما لم يتم مواجهتها واخضاعها للقانون الذي يحفظ لليمنيين حقوقهم، مبينا أنها تخلق أو تراكم حالة (مرضية) للرؤية في الحياة وتعمم الجمود والتعصب والانغلاق والكراهية والشك وعدم الثقة بالغير وصناعة المقدسات وعبادة الفرد والاستبداد والتبرير للكذب والغش والخداع والخوف.
يختم ورقته بأنه وتأسيسا على ما سبق ولكي تحافظ على بقائها فهي تمارس الى جانب العنف الجهل لكي تستمر في السلطة لفترة طويلة جدا، موضحا أنها لا تستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية إلا في حالة استمرار الفوضى وقد عبرت عن نفسها من خلال صورة الدمار التي خلفته حيث قدمت نفسها بصورة سيئة جدا من واقع الممارسات وفرض واقع كارثي وتقديس الفرد وقتل روح الأفراد والمواطنين بالإضافة الى تمجيد الموت ولذا لا يمكن لهذه الجماعة أن تغادر الساحة ما لم يتم مواجهتها بحسم.
أما المحور الرابع فقد حمل عنوان “انتفاضة 2 من ديسمبر بين العهد الجمهوري ومبادئ الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح†للأستاذ/ عادل الربيعي.
تحدث الباحث السياسي والإعلامي القدير عن العقلية السياسية لعلي عبد الله صالح وهذا البعد من واقع ما يقوم به من تغطية للذكرى منذ ست سنوات، لتحليل المعادلة السياسية اليمنية والواقع مشيرا إلى أن الانتفاضة تعاني من شحة في الحصول على قراءات ودراسات وأبحاث عميقة.
تعد الانتفاضة منعطفا هاما في التاريخ السياسي اليمني من وجهة نظر عميقة للباحث وهي تفوق أي قراءة حزبية، وتمتد في بعدها إلى ثورة سبتمبر واكتوبر وبعد الازمة اليمنية من بعد الربيع العربي، وهي تعتبر حالة استثنائية بعد حقبة من تبني صالح سياسة الاحتواء نظرا لطبيعة التحديات المفروضة.
ويبين أن هناك اسقاطات وارهاصات في قراء الانتفاضة تمتد الى البعد الحضاري لثورة سبتمبر واكتوبر والى ازمة الربيع العربي، كون الانتفاضة حملت في طياتها ومفرداتها المتمثلة في خطابي الزعيم صالح في الثاني والرابع من ديسمبر مجموعة من الرسائل والوصايا والدلالات لا يمكن قراءتها بدون العودة الى خلفيته السياسية أي سياسة الاحتواء التي اماط اللثام عنها وهي تندرج ضمن السياسة التحفظية الغير معلنة والتي جاءت ضمن مواجهات اجندة غربية وعربية ضد الرئيس والمؤتمر الشعبي العام.
كما تطرق إلى التحالفات التي تمت من أجل التخلص من صالح بالإضافة إلى الصراع الخليجي الخليجي وولادة التحالف (التركي/ الإيراني/ القطري) الذي يمر بالأضواء البريطانية الامريكية.
مشيرا إلى أن الخطابات الأخيرة كانت مهمة وقد كشفت عن توجه وابجديات المؤتمر الشعبي العام وتوضيح ما التبس من أن هناك تحالف عميق ما بعد انقلاب الحوثي، كما عرج على التعثرات التي نتجت عن موت العاهل السعودي الملك عبدالله وغيره من التحولات بالإضافة إلى هجمات التحالف التي عقدت الموقف.
الربيعي أكد أن اجمالي الخطابين وتوجه الشعب اليمني كان يقف ضد الجماعة والمشروع الإيراني الذي يحمل أطماع كبيرة ومشروع عودة الامامة وهيكلة الجيش واقحام قبيلة حاشد في صراعات واسعة وأن الأمر بحاجة لقراءة دقيقة لمعرفة أهم المشكلات والاحداث وربطها ببعض.
مبينا أن صالح عبر من خلال الانتفاضة عن صيحة وطنية تقف على ناصية الزمان والتاريخ منذ 26 سبتمبر وأنه كان يعي تماما مدى مخاطر الامتداد الإيراني وطبيعة وصول المليشيا إلى صنعاء، حيث خلا الخطابين من أي مفردة سياسية أو مفردة حزبية أو دوافع شخصية وكان هناك تجرد تجعلنا نحتفي ونعيد قراءة الانتفاضة ومع كل ذكرى تكون الانتفاضة اقرب من سابقاتها، كما أنه لم تقتصر على دعوة الجماهير الى الانتفاضة والتحذير من مغبة تمدد هذه المليشيا، بل قدم منظومة دعا إلى الاعتصام الشعبي ودعا الإقليم الى حوار مباشر أي انه وضع توجيهات واضحة عكست الرؤية الكاملة لما كان عليه، وهو يريد من ذلك ليس تمثيل المؤتمر كحزب بقدر ما يريد حل الأزمة الوطنية.
وختم في ورقته العميقة بأنه حرص على قراءة منهجية ضمن سيرورة سياسة علي عبدالله صالح وسياسية الربيع العربي وهو ليس رأي بقدر ما هو قراءة استراتيجية لما طرح في الخطابين من قيمة تحاول أن تحافظ على مكتسبات الشعب اليمني الحديثة وتحاول مواجهة التمدد الحوثي، وقد تناول بصورة تحليلية وتفصيلية الوصايا العشر ومضامينها.
في ختام الندوة قدمت المداخلات وطرحت الأسئلة حيث تكلم بشكل واسع كلا من الدكتور محمد الحميري الذي تحدث عن التحولات الأخيرة في الشرق الأوسط وبلاد الشام وصعود الجمهوريين في أمريكا وانعكاسها على الواقع اليمني وضرورة تقديم قراءة دقيقة بما تساعد على تقديم حلول، كما داخل الدكتور طه حسين الهمداني بمداخلة مهمة مترحما على أرواح شهداء اليمن وتضحياتهم، مبينا أن المحاور كل واحد منهم كان يحتاج الى نقاش مستفيض نظرا لأهمية كل ما طرح من مواضيع واشكاليات وخطورة ما يجري من تجريف للعملية التعليمية وطمس التنوع والقضاء على النظام السياسي بشكل عام من خلال ترتيبات قادمة وكأن هناك شيء يحاك لهذا البلد، وأننا بحاجة إلى أكثر من وقفة وندوة في هذا الاطار لإشباع الأمر والخروج بتوصيات.
كما علق الدكتور عادل الشجاع على المتغيرات وما يدور في كواليس الرياض محذرا من (خارطة طريق) تعمل على الغاء المؤسسات والكيانات الحزبية وأنه في حال تم الموافقة عليها سيكون قد تم اطلق رصاصة الرحمة بالإضافة إلى الأستاذ عادل الربيعي الذي أجاب على بعض الاستفسارات كما كانت هناك إضافة قيمة للأستاذ عمر الشلح والمهندس أحمد الهاشمي في اطار هذه المحاور وعبد الوكيل الشريحي ومحمد الشجاع والناشط المصري سيد فودة من أمريكا وهو من المتابعين للأزمة اليمنية والانتهاكات وربطها بما يجري من مغالطة في دعم غزة من قبل الحوثي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news