كان السابع من أكتوبر 2023، بمثابة طوق نجاة لمليشيا الحوثي الإرهابية التي كانت تواجه نُذر انتفاضة شعبية من الداخل بعد أحداث القمع التي اكتنفت فعاليات العيد الحادي والستين لثورة الـ26 من سبتمبر في العاصمة المختطفة صنعاء والمحافظات المنكوبة بالمليشيا، والتي أضرمت موجة غضب في صدور اليمنيين ضد ممارسات المليشيا، فاقتنصت الأخيرة شعار القضية الفلسطينية في لحظة مواتية؛ للهروب من الضغوط التي تواجهها في الداخل.
"الاستثمار في الشعارات" واحدة من الفنون التي تجيدها المليشيا ببراعة، ومنهجية متجذرة في سلوك الحوثيين يستخدمونها باستمرار وفق ما تقتضيه الحاجة لتهيئة المناخ العام وتخدير المجتمع بجرعة من الزيف ريثما تطبخ مخططاتها على نارٍ هادئة، ثم تعود إلى نفس المربع السابق في ممارسة الاضطهاد والقمع.
أثناء حروب الدولة ضد التمرد، روج الحوثيون شعار المظلومية في المناطق القصية من صعدة، وجندوا واستمالوا- عن طريق التعبئة والحشو الفكري والطائفي داخل المجتمعات المحلية- الكثيرين للقتال ضد الدولة. وتكرر السيناريو أثناء اجتياحهم عمران وصولًا إلى صنعاء؛ لقد كانت الشعارات المتقنة بعناية وسيلة لمخاطبة عواطف الجمهور وإغوائه، ولا أحد ينسى أن شعارات "إسقاط الجرعة- تطبيق مخرجات الحوار الوطني- إسقاط الحكومة" كانت الثلاثية التي شكلت قوائم حصان طروادة لإسقاط صنعاء في انقلاب 2014م.
ما لا يدركه الكثير من اليمنيين؛ إما لجهل، أو لعدم استدعاء الماضي وإسقاطه على الواقع، هو أن المليشيا تكيّف الشعارات التي تستخدمها لدغدغة مشاعر المجتمع بناء على مقتضيات الشعور العام. حاليًا، اليمنيون- بلا استثناء- يقفون إلى جانب القضية الفلسطينية. لهذا؛ كان لجوء المليشيا لرفع شعار مناصرة غزة وسيلة ناجعة للهروب من الضغوط الداخلية المتزايدة في أكتوبر من العام الماضي.
وفقًا لمصادر سياسية، فإن الخبرات الإيرانية واللبنانية التي تخدم المليشيا الحوثية في اليمن، عملت- منذ وقت مبكر- وفق استراتيجية متقنة ودراسات معمقة لفهم تركيبة المجتمع اليمني ومتطلباته وأولوياته وتشخيص المشكلات والقضايا المتعددة، ثم درست وسائل التأثير الملائمة وطبقتها عمليًا للتأثير على العواطف الجمعية للسكان. ولهذا؛ كان يتم انتقاء الشعارات بعناية حتى تتلاءم مع طبيعة المرحلة وتحقق أهداف المليشيا في تحوير قناعات الناس وتوجيه الرأي العام في خط موازٍ للقضايا التي تهمه؛ استغلالًا لمشاعره الجياشة وحاجاته الملحة والاستثمار فيها.
وقد جرت العادة أن الحوثيين عندما يواجهون ضائقة ما تصوب أنظار المجتمع تجاههم، فإنهم يلجأون إلى صياغة شعارات جديدة لحرف أنظار الناس عن القضية الأساسية؛ فقبل أن تندلع أحداث السابع من أكتوبر، كانت المليشيا تواجه منعطفًا خطيرًا أمام ضغط شعبي وغليان مستمر للمطالبة بالرواتب والتنديد بالقمع، والرفض الصريح للسلوكيات الماسة بالثوابت الوطنية، وقتها قفزت المليشيا إلى مركب القضية الفلسطينية كطوق نجاة وبدأت عمليًا حرف اهتمامات المجتمع عن متطلباته الأساسية؛ بل وأصبحت تعاقبه على هذه المطالب بزعم "تقويض مسار دعم القضية الفلسطينية"، وهكذا جرّت المجتمع إلى متاهات وعواقب وخيمة، وزادت فوق ذلك أن فرضت عليه جبايات ثقيلة تحت نفس اليافطة وملأت السجون بالكثير من الناس بتهم العمالة لإسرائيل وأمريكا بهدف إرهاب المجتمع.
ويعزو مختصون في قياس الرأي العام هذا السلوك إلى مستوى الخبرات الإيرانية التي تتحكم بالآلة الدعائية للمليشيا الحوثية، إضافة إلى انخفاض مستوى الوعي العام بمثل هكذا مؤامرات تُحاك بعناية للتشويش على القناعات، والسعي لإعادة هيكلة الأفكار العامة في قالب خاص تتحكم به المليشيا لاستغلال عواطف المجتمع وجره بهدوء إلى مقاصل الاضطهاد دون أن يدري.
لكن، ورغم حجم التضليل الإعلامي، فإن وقائع الأحداث عرّت أدوات إيران وكيف يتاجرون بدماء أبناء غزة لخدمة نظام حكم الملالي في طهران.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news