ذهب إلى أرض الميعاد من أجل الحب ثم انقلبت حياته رأساً على عقب
كيف استطاعت المخابرات المصرية تهريب مزراحي من اليمن إلى القاهرة ؟
تم الإفراج عنه مقابل إفراج إسرائيل عن 65 أسيرًا معظمهم فلسطينيون
كانت وجهته الأولى ميناء الحديدة والتقط صوراً بكاميراته ورسم خرائط لأقسام ومكاتب الميناء ومخازن البضائع
وجدوا بغرفته 320 صورة لمواقع عسكرية وأمنية ولميناء الحديدة وتقارير ووثائق استخباراتية أخرى
يمن الغد / تقرير
ولد باروخ زكي مزراحي في القاهرة عام 1926، وكان والده زكي تاجر تبغ يهودي مصري، وكانت أموره ممتازة فألحق إبنه بمدرسة الفرير، وبعد ذلك تخرج من كلية التجارة بجامعة القاهرة عام 1948، وبعد التخرج عمل محاسبًا ومترجمًا، وطور نفسه على مستوى اللغات وبدأ يتحدث العبرية والعربية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية .
وهذا الشيء ساعده على العمل مدرساً للغة الفرنسية في إحدى مدارس القاهرة بحب كبير، تقدمت زميلته في العمل فورتين للزواج منها عام 1957، لكنها فاجأته وقالت له: إذا كنت تريد الزواج بي فعليك أن تنتقل معي إلى إسرائيل، وبإلحاحها وافق وقرر مغادرة مصر في 6 فبراير 1957، ووصل إلى إسرائيل عبر اليونان، وكانت أول صدمة اكتشفها هناك أن هناك قوانين تمنع اليهودي من الزواج من ابنة والدته، فهو ليس يهودياً، لذا فهم أن زواجه من الفتاة مستحيل، لكنه اكتشف أن وعود الحياة الوردية في إسرائيل تحولت إلى كلام فارغ، فهو لم يكن باشا في مصر، بل أصبح مزارعاً مأجوراً هناك، وكان مجبراً على العمل ليل نهار، خاصة بعد أن اقتنع بشرعية إسرائيل وتشبع بالفكر الصهيوني. في أحد الأيام، أثناء ذهابه إلى المزرعة، تم استدعاؤه من مكتب لجمع معلومات عن الشرق الأوسط في تل أبيب، وعرضوا عليه العمل معهم، خاصة أنه يفهم في اللغة العربية أنه مصري ويتحدث العربية، فوافق على العرض. بعد ذلك، رشحوا مديرته لوظيفة استخباراتية، لكنه أخبره أنها يجب أن تذهب إلى مقر الموساد.
مهام خفيفة :
وبالفعل ذهب إلى هناك وأعطيت له مهام خفيفة في البداية، بما في ذلك متابعة الحركات الشيوعية في إسرائيل وبعض الأعمال كمترجم. ذات مرة، بدأوا يعطونه مهامًا أخرى، مثل: وثائق سرية لترجمتها، وترقى في المهام حتى تم تعيينه رسميا نقيبا في مسعدة.
عمله في وحدة عمليات “مسعدة”:
وبسبب خلفيته العربية عمل في وحدة عمليات تسمى مسعدة، وهي وحدة يعمل عملاؤها بالمركبات العربية. وهمية، أنجز مهام في أوروبا وكون هناك علاقات مع الجالية العربية، بعدها شعروا أنه جاهز وحان وقت العمل الحقيقي ليذهب إلى سوريا تحت اسم جميل يوسف.
الهدف إنشاء مركز استخبارات في حلب تحت غطاء مدرسة لغات. برز اسمه في الموساد وأصبح من أهم العملاء. مرت الأيام وجاء يوم 11 يونيو 1971. في ذلك الوقت استهدفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ناقلة نفط كانت متجهة من إيران واستهدفته إسرائيل في مضيق باب المندب، الناقلة المسماة كورال سي، وهي عملية تشبه هجوم جماعة أنصار الله.
الهدف الأبرز للموساد :
هذه الأيام طبعاً خطوط الملاحة الإسرائيلية من تلك الأيام إلى يومنا هذا تعتمد بشكل كبير على الملاحة من البحر الأحمر وأي هجوم مثل هذا أثر بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي والله لقد جن جنون الإسرائيليين بعد العملية قرروا شن ضربة تأديبية على اليمن ولكن قبل الهجوم قرر الموساد دراسة اليمن ومعرفة حالة النشاط هناك الفلسطينيون يرسلون من ليس له إلا تاريخ استولوا على شئونه وأعطوه جواز سفر مغربي اسمه أحمد الصباغ وقالوا له أنت سائح وكأنك ذاهب لتجارة لعب الأطفال أرسلوا له مركزاً إقليمياً تابعاً للموساد في نيروبي، ومن هناك ذهب إلى
عدن وبدأ مهمته الخطيرة في اليمن في 20 يونيو 1971، فبدأ يتغلغل في المجتمع ويدرس الملفات السياسية والعسكرية والنشاط الفلسطيني، وأصبح يراقب كل ما يتعلق بميناء عدن، وبعد أقل من شهر يعود نيروبي ويقدم تقريراً مرتباً عن جنوب اليمن، بعدها توقف عن العودة إلى اليمن مرة ثانية، وبالفعل في 18 مايو 1972 وصل إلى عدن، وبعدها ذهب إلى تعز وصنعاء، وأقام في فندق الأخوة بميدان التحرير، ولفت انتباهه التزام اليمنيين الكبير
بالصلاة، لكن المشكلة أن طريقة الصلاة لم تكن من الدورات التي أخذها في المسعد، فقرر أن يتعلم كيف يصلي. – يصلي ويندمج في المجتمع وبعد أيام قليلة في صنعاء أصبحت الحديدة الهدف الأبرز للموساد فهي الميناء البحري والتجاري لليمن وبالطبع كانت وجهته الأولى ميناء الحديدة بوابة باب المندب وصل الميناء وبدأ يصور بكاميراته ويرسم خرائط لأقسام المكان ومكاتب الموظفين ومخازن البضائع وكل ما يخطر على باله وبعد أن أنهى مهمته في 26 مايو 1972 كان يجهز نفسه للسفر إلى نيروبي لتسليم التقرير الجديد فقط قال يا بني انزل والتقط بعض الصور لنفسك قبل أن تعود حتى يكون الملف مرتب وقتها كان في المنطقة التي نزل فيها يصور قائد كتيبة المدفعية في الدفاع اشتباه الساحلي الضابط العسكري اليمني بباروخ فأوقفه فارتبك باروخ وقال له أنا سائح مغربي اسمي أحمد الصباغ ومن هذه الكلمات كان اليمني صريحا ولم يكذب عليه، فبدأ باروخ يقول له: “أود أن أتصل بالسفارة المغربية وأشتكي من هذه الطريقة في التعامل، لا جدوى من معاملتي بهذه الطريقة”، فقال اليماني: “لا تنخدع، لقد خاف، فأخرج 2000 دولار وحاول رشوة الجندي، وهنا شعر الجندي أن هذا ما رآه، مصيبة، فتم نقلهم إلى الإدارة العامة للأمن في الحديدة، وهناك قرروا تفتيش غرفته، لكن الوضع تغير بعد أن فتشوها ووجدوا فيها 320 صورة، أغلبها لمواقع عسكرية وأمنية، وصور لميناء الحديدة، ومجموعة كبيرة من التقارير بلغات مختلفة، والخرائط التي كان يرسمها، إلى جانب وثائق استخباراتية كانت معه طوال الوقت، فقررت السلطات في الحديدة الاحتفاظ به للتصوير”. احتجزوه في مقر وزارة الداخلية في 5 يونيو 1972 وقرروا فتح تحقيق رسمي ضده ووجهوه إلى كل الوثائق التي عثروا عليها. كم ألف قصة جديدة؟ قال: نعم صحيح أنني جاسوس، لكن كما ترى أنا أعمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية وقد كلفني بمراقبة النشاط الشيوعي للاتحاد السوفييتي في اليمن.
اعتقال الجاسوس الإسرائيلي ” باروخ ” :
في البداية تابعت القصة، لكن نائب القائد العام للقوات المسلحة اليمنية إبراهيم الحمدي لم يكن كذلك. اطمأن وقرر طلب المساعدة من المخابرات المصرية. أرسلت مصر فريقًا إلى اليمن واتصلوا بالاستخبارات المصرية. المغاربة وسألوهم قالوا لهم عندكم مواطن اسمه أحمد الصبح وبعد أقل من 24 ساعة جاء الرد للمغرب قالوا لهم ما عندنا حد بهذا الاسم ولا حتى عندنا جواز سفر مغربي بهذا الرقم واجهه المصريون بالحقيقة فقرر أن يختلق قصة ثالثة قال لهم انظروا كذبت عليكم اسمي يوسف يعقوب سالم وأنا مواطن مصري يبدو أنه قال هذا طلبا للعطف ولم يكن يعلم أنه جاء للعيد فقال له المصريون ما فائدة غطرستك باروخ مزراحي طبعا المصريون ما كانوا يلقون القبض عليه درسوا ملف قضيته بالكامل وبعد سلسلة من التحقيقات علموا أنه من أصل مصري وهذا ما ساعدهم على تحديد هويته بالضبط فعرفوا اسمه الحقيقي لأنه نشأ في مصر. المهم أنه عندما انكشف الأمر انهار باراخ واعترف بأن إسرائيل تنوي احتلال الساحل الغربي لليمن من أجل ضمان سلامة الملاحة الإسرائيلية، لكن الخطة لم تنفذ، وبسبب انتشار القوات الإسرائيلية بعد حرب 1967 على جبهات أخرى لم تصبح قضية اليمن أولوية هنا، وقال المصريون إنهم عثروا على صيد ثمين وطلبوا من اليمنيين أن يأخذوه معهم إلى مصر، ووافق اليمنيون، خاصة أنه كان مواطناً مصرياً، وانتشرت الأخبار في الإذاعات والصحف عن اعتقال جاسوس إسرائيلي في اليمن، وخاف الإسرائيليون أنه إذا بدأت مصر في السباحة هناك فإن إسرائيل ستغلق غرفة عمليات، وفي أديس أبابا كان هدفها إطلاق سراح برخ، وأرسل الموساد عميلاً إثيوبيًا يدعى صالح عبد القادر، فأرسلوه للقيام بذلك على أساس أنه محامي دفاع، وحاول المحامي الإثيوبي رشوة عدد كبير من المسؤولين اليمنيين، لكن الخطة فشلت.
محاولة الموساد اغتيال باروخ :
حاولت فرنسا وأكثر من دولة التوسط لدى اليمنيين والمصريين، لكنهم رفضوا، فقرر الإسرائيليون الصعود وإعداد الطائرات لاعتراض أي طائرة يشتبهون في أنها ستنقل باروخ من صنع مصر. وكانت السفن الحربية الإسرائيلية تمشط البحر الأحمر بدوريات مستمرة، وقبل ذلك حاولت إسرائيل تحرير باروخ أيضًا، وحاولوا قتله حتى لا يكشف أسرارهم.
وفي 21 يونيو 1972 حاول الموساد اغتيال باروخ، ونجحت إسرائيل في صد الهجوم .
نقل باروخ مزراحي إلى مصر :
وبعد محاولات عديدة تمكنت المخابرات المصرية من نقل الجاسوس من الحديدة إلى مصر على متن طائرة مموهة، وفي مصر تم التحقيق معه وحكم عليه بالسجن 25 عاما مع الأشغال الشاقة.
وبعد حوالي عام اندلعت حرب أكتوبر 1973، وفي نهايتها بدأت المفاوضات وطالبت إسرائيل بضم باروخ إلى صفقة تبادل الأسرى .
إطلاق سراح بصفقة تبادل الأسرى :
وبعد مفاوضات طويلة اتفق المصريون والإسرائيليون على صفقة تبادل كاملة، ونص الاتفاق على إطلاق سراح باروخ مزراحي مقابل إطلاق إسرائيل سراح حوالي 65 أسيرًا معظمهم فلسطينيون، بينهم عميلان عربيان هما توفيق فياض بطاح وعبد كرمان.
وصل باروخ إلى إسرائيل في مارس 1974، واستمر في حياته بشكل طبيعي وبدأ في تدريب عملاء مسعدة الجدد، ورغم أنه حاول الانتحار أكثر من مرة أثناء اعتقاله في اليمن، إلا أنه توفي بشكل طبيعي في عام 2005. دعني أسألك: ماذا تتوقع من أمثال باروخ بيننا كعرب اليوم؟ نحن نعرف هويتهم الحقيقية، هل تتوقع أن إسرائيل لا تزال تستخدم نفس أساليب التجسس أم أن التقنيات الحديثة غيرت الأساليب؟.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news