تقرير – خاص:
ينشط الأكاديمي اليمني، الدكتور عبدالقادر الخراز، على منصات التواصل الاجتماعي، باعتباره ناشطًا وطنيًا “نزيهًا”، شاهرًا تهمة “الفساد” ضد كل من صادفه في الفضاء الإلكتروني أو ورد إليه عبر قنوات التراسل.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، دأب على استهداف جهات وأفراد بالفساد. وطالت منشوراته الكثيفة والمرتجلة الحكومة اليمنية المعترف بها، والشركات الوطنية والمنظمات الأممية والوكالات الدولية العاملة في اليمن، وقادة العمل السياسي والإنساني والتنموي في البلاد.
قبل الوقوف على التهم التي أمعن “الخراز” في توجيهها للآخرين، يقتضي أولًا التحقق من مدى نزاهته وشفافيته، وخلو مسيرته المهنية من أي شبهة فساد أو سلوكيات تنطوي على إساءة استخدام السلطة أو النفوذ.
أبعد من الفساد
بالعودة إلى آخر وظيفة حكومية شغلها “الخراز”، وهي رئاسته للهيئة العامة لحماية البيئة، خلال الفترة من يوليو/تموز 2017 وحتى سبتمبر/أيلول 2019، تظهر النتيجة “صادمة” و”كارثية” تتجاوز مسألة “الفساد”.
تؤكد وثائق وشهادات وشكاوى موظفين في الهيئة، حصل معد التقرير على ضلوع “الخراز” في ممارسة الفساد، ومخالفات مالية وإدارية وفنية واستغلال النفوذ، إضافة إلى تعسفات ومحاولة اضطهاد الموظفين، وصولًا إلى التمرد على الحكومة.
استحواذ وفساد إداري
من واقع الوثائق، كان أول عمل للخراز، السيطرة الفردية على كافة مراسلات وقرارات الهيئة، حيث أقدم على إلغاء البريد الرسمي للهيئة واستبداله ببريده الخاص الذي جعله قناة وحيدة للتواصل مع الجهات والمنظمات الدولية والمحلية المعنية بقطاع البيئة، وربط عبره كافة المراسلات مع المنظمات الدولية والاتفاقيات.
وإضافة لذلك، تبين الوثائق استبعاده لمسؤولي الاتفاقيات الدولية ونقاط الاتصال للاتفاقيات والبروتوكولات والمشاريع البيئية الموقعة عليها اليمن، وحصرها باسمه كنقطة اتصال وطنية، وكذلك نقطة اتصال فرعية لكل اتفاقية، واضعًا نفسه كنقطة اتصال محلية ودولية بدلاً عن 15 فريقًا من الهيئة.
ولم يتوقف هنا بل احتكر المشاركات الخارجية على شخصه أو المقربين منه لحضور مؤتمرات فنية وورش عمل وفرص تدريب، ما ترك فراغًا في إدارة الهيئة وكل فروعها في مناطق الحكومة لانشغاله بالسفريات خارج البلاد.
وهو ما أكده مدير عام التخطيط والمعلومات في الهيئة العامة لحماية البيئة، أحمد سالم ملقاط، في شهادة نصية نشرها بحساب كوادر الهيئة على “فيسبوك”، بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 2019، حيث أكد استيلاء “الخراز” على “أكثر من 15 اتفاقية دولية بيئية، وجمّد عمل 90% من الفنيين والموظفين الأكفاء، واستفاد شخصيًا من فرص السفر، وحضور المؤتمرات على حساب 15 فريقًا فنيًا”.
وأضاف أن “الخراز” استحوذ أيضًا على “ختم الهيئة، وضم جميع الاتفاقيات الدولية، والمراسلات، والمعاملات إلى بريده وإيميله ورقم موبايله”.
فساد مالي
توضح الوثائق والشكاوى، مخالفات مالية عديدة ارتكبها “الخراز”، ومنها “الصرف من الإيرادات مباشرة، وتوجيه الفروع للصرف بأسماء أشخاص بشكل مباشر بعضهم ليسوا موظفين بالهيئة”.
إضافة إلى “فتح حسابات بنكية في بنوك خاصة بصورة مخالفة للقانون”. وكذا “استلام بدلات سفر عن مشاركات ممولة، وتحديد أسعار الصرف للدولار بتوجيهات مباشرة وليس عبر البنك المركزي أو عبر نشرة أسعار الصرف للبنك المركزي”. وحتى إقالته، لم يقدم أي “تقارير مالية”.
ومن ضمن الوثائق التي حصل عليها معد التقرير، شيك رسمي بمبلغ 6,924,625 ريال يمني باسم شقيق الخراز يدعى “عوض عبدالله الخراز”، وعليه توقيعه وختم الهيئة بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول 2017. وكان “ملقاط” قد اتهم “الخراز” في منشوره بـ”التفريط بأموال الهيئة، وصرف أكثر من 100 مليون ريال له ولمقربين منه لا يتجاوزون أصابع اليدين”.
وأضاف أنه كان “يصرف لنفسه بدل سفر مرتين من المنظمات الدولية ومن ميزانية الهيئة لكافة مشاركاته”. وإضافة إلى ذلك، قال إن الخراز “تعمد التفريط بأموال الهيئة المعتمدة من مرفق البيئة العالمي، وحول قرابة مليون دولار من المخصصات لجهة مانحة، وأوقف عمل كل فروع الهيئة إخضاعًا لمزاجيته”.
من جانبه، كشف مدير عام الإدارة العامة للرصد والتقييم البيئي، وليد الشعيبي، عن فساد مالي وإداري كبير ارتكبه الخراز، خلال إدارته للهيئة. موضحًا في بيان نشره بحساب كوادر الهيئة على الفيسبوك بتاريخ 8 يونيو/حزيران 2020، أن المخالفات التي ارتكبها الخراز أهدرت “نحو 15 مليون دولار تدفع لبلادنا كل 4 سنوات”.
وأضاف أن الخراز “منح مبلغ 93 ألف دولار لجهة مانحة دون وجه حق، في إطار مشروع STAR الممول من الـGEF مرفق البيئة العالمي”، كما قام بـ”تحويل عدد من المشروعات إلى منظمات دولية لا تمتلك مكاتب في اليمن، مما أدى إلى إيقاف هذه المشروعات وضياع مشروعات كانت قيد التنفيذ بحوالي مبلغ 25 مليون دولار”.
إهدار فرص ومشاريع
تظهر الوثائق أيضًا إمعان “الخراز” في إهدار عدد من الفرص والمشاريع الممولة دوليًا وتحويل بعضها إلى جهات خارجية، ومنها المشاريع البيئية الممولة من صندوق المناخ الأخضر (GCF).
كما تظهر الوثائق إهدار “الخراز” للمشاريع البيئية الممولة من مرفق البيئة العالمي (GEF)، ومنها تمويل STAR بمبلغ 9,300,000 دولار ضمن برنامج المنح الصغيرة مخصص لجميع الدول حسب تصنيفها.
وتبين الموافقة على إعطاء نسبة 10% من مخصصات الجيف (933000$) للبرنامج، وتم تحويلها باسم عمر الصغير، ولم تستفد منها الهيئة بالشكل المطلوب. إضافة لعدد من المشروعات الممولة خارجيًا التي أُهمل متابعتها كليًا كمشروع الناب في سقطرى، والذي أظهر التقرير النصفي للمشروع وجود اختلالات كثيرة فيه.
وتوضح تقارير ووثائق أخرى، إمعان “الخراز” في إهدار الفرص وتعمّده الإضرار بالحكومة الشرعية، ومنها التقرير المتعلق بأثر النزاعات على البيئة الذي قدّمه إلى المجلس التشاوري الإقليمي حول البيئة للمنتدى العربي للتنمية المستدامة مطلع 2019، حيث هاجم الحكومة وتجاهل زراعة الحوثيين للألغام عشوائيًا وحفر الخنادق وتجريف التربة وقطع الأشجار ومنع الفرق الفنية الأممية من الوصول إلى خزان صافر النفطي المهدد بالانفجار.
تعسف واضطهاد الموظفين
توضح شكاوى الموظفين، تعمد الخراز إقصاء الكوادر والفنيين في ديوان الهيئة وفروعها، وتفرده بتنفيذ مهامهم وحصر ديوان الهيئة على 3 موظفين فقط.
وكان “الشعيبي” قد اتهم “الخراز” في مقاله بممارسة “التعسف والاضطهاد بحق جميع كوادر ومنتسبي الهيئة”، بما فيها إيقاف بعضهم عن العمل والقيام به بنفسه إلى جانب مدير مكتبه (من أقارب الوزير شريم). مرفقًا وثائق تظهر توجيهات من رئيس الوزراء للخراز، بإعادة موظفين مبعدين من أعمالهم، ووفق الشعيبي، فقد “رفض تنفيذ التوجيهات”.
فيما تظهر وثيقة أخرى اطلع عليها معد التقرير، تقدم مدراء فروع الهيئة بثالث شكوى إلى رئيس مجلس الوزراء، تتحدث عن “فساد ومخالفات” ارتكبها الخراز، متضمنة تهمًا بإساءة العلاقة مع كافة الجهات المانحة لليمن.
وتوضح الشكوى المقدمة من مدراء فروع الهيئة في المحافظات ونوابهم ومدراء المشاريع ونقاط الاتصال لكافة المشاريع الدولية، تفاصيل مخالفات “الخراز” وتعسفاته بحقهم، وإخلاله كليًا بعمل الهيئة.
وقالوا إن تجاهل شكواهم “شجع” الخراز على “اتخاذ إجراءات تعسفية بحق البعض وتوقيف الآخرين عن العمل وتهميش البقية أو مضايقتهم وتوقيف أعمال بعض الفروع”. مؤكدين أن عدم اتخاذ إجراء بحقه يدفعه إلى “التمادي في التعسف أحيانًا بالترغيب وأحيانًا بالترهيب عقابًا على الشكوى”.
وجاء في الشكوى: “بعد هذه الحقائق الدامغة للممارسات غير المهنية من قبل الوزير والمكلف بالقيام بالأعمال يتطلب تدخلكم بشكل سريع وإحالة الموضوع إلى الجهات الرقابية المختصة والتحقيق فيما ورد أعلاه”.
فساد من العيار الثقيل
قبل تعيينه في الهيئة العامة لحماية البيئة، كان “الخراز” مواليًا لجماعة الحوثي المتمردة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وكان يشغل منصب مستشار وزير المياه والبيئة في حكومة الجماعة غير المعترف بها.
وحتى نهاية العام 2016، أي قبل نحو 6 أشهر من تعيينه في الهيئة، دأب “الخراز” على نشر كتابات داعمة للحوثيين بحساباته على منصات التواصل، وضد الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها.
وهو ما يثير أسئلة عن سر وطبيعة الانتقال الغامض والسريع للخراز، من حكومة الحوثي الانقلابية إلى الحكومة الشرعية، وخلال أقل من 6 أشهر.
وهذا أوضحه مدير عام الإدارة العامة للرصد والتقييم البيئي، وليد الشعيبي، في منشوره المشار إليه آنفًا، ذكر فيه أن “الخراز لم يكن رئيسًا للهيئة العامة لحماية البيئة كما يخادع الناس بل تم تكليفه مؤقتًا من قبل صديقه الدكتور عزي شريم، كقائم بأعمال رئيس الهيئة”. وشريم كان حينها وزيرًا للمياه والبيئة في الحكومة اليمنية المعترف بها.
معتبرًا هذا التكليف “مخالفة قانونية جسيمة”؛ كونه لم يصدر من رئيس الوزراء، ولم يصدر به قرار من رئيس الجمهورية. موضحًا أن قرارات تعيين رؤساء الهيئات والمؤسسات يصدرها رئيس الجمهورية وليس الوزراء.
وأرفق “الشعيبي” مع التوضيح صورة لقرار التكليف مذيلًا بتوقيع وزير المياه والبيئة، عزي شريم. بينما يظهر في الوثيقة تاريخ التكليف 27 يوليو/تموز 2017، إلا أن “الخراز” كان قد أعلن بصفحته على الفيسبوك، التحاقه بالوظيفة قبل هذا التاريخ بـ 6 أيام.
ومن خلال البحث عن علاقة الرجلين، يتضح أنهما كانا يعملان في التدريس بجامعة الحديدة، حيث كان الخراز أستاذًا بكلية علوم البحار والبيئة، قبل أن تسيطر جماعة الحوثي على المحافظة، ويغادرها “شريم” إلى الخارج ليصبح وزيرًا للمياه والبيئة في الحكومة الشرعية، بينما يظل “الخراز” ويعمل مستشارًا لوزير المياه في حكومة الجماعة غير المعترف بها، قبل أن يلتقيا مجددًا بتكليف الأول للثاني قائمًا بأعمال رئيس هيئة حماية البيئة.
تشبث بالمنصب
تؤكد المعلومات والشهادات التي حصل عليها معد التقرير، أن “الخراز” رفض بشدة التخلّي عن منصبه رغم القرار الحكومي وحالة السخط والاحتجاجات الواسعة الرافضة له داخل الهيئة.
توضح منشورات “الخراز” بحساباته على منصات التواصل الاجتماعي، أنه استمر خلال الأشهر التي تلت إقالته، في المشاركة بفعاليات ومؤتمرات وأنشطة متعلقة بالهيئة، داخلية وخارجية، وبصفته رئيسًا لها.
أكد أربعة موظفين في الهيئة، أن “الخراز” ما يزال رافضًا التسليم إلى خلفه المعين بقرار حكومي، وإخلاء عهدته منذ إقالته في العام 2019. مؤكدين أن لجنة الاستلام والتسليم اضطرت لرفع تقرير إلى الحكومة برفضه الامتثال لقرارها وتسليم ختم الهيئة والمعدات والوثائق الرسمية التي بحوزته.
قناع النزاهة
ثلاث سنوات من رئاسة “الخراز” للهيئة العامة لحماية البيئة، هي آخر وظيفة له حافلة بالفساد والابتزاز والتعسف كما تبيّنه الوثائق، قبل أن يعود بعدها لمهاجمة الآخرين واتهامهم بـ”الفساد” على منصات التواصل الاجتماعي.
بالنظر إلى الوثائق والمعلومات السابقة، وإلى ما يروّجه “الخراز” على منصات التواصل يوميًا من تهم للآخرين بالفساد، يعود السؤال إلى الواجهة مجددًا: هل الأكاديمي الخراز، محارب للفساد أم فاسد يرتدي قناع النزاهة؟.
تعليقات الفيس بوك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news