ما بين سطوري 

*د/ ابتهاج الكمال:

عندما كنت صغيرة، كنت أرى الكون بحرًا بلا ضفاف، يمتد في صمتٍ عميق، ويثير في داخلي رهبة أن أضيع بين طياته. كنت أراقب البحر، كأن أمواجه تحكي قصصًا لم تُروَ، وأسرارًا ضاعت في أعماقه، تجذبني ثم تدفعني بعيدًا.

كنت أرى في الرجال شموخًا يخترق السماء، وفي رقة النساء انكسارًا يبدو لي ضعفًا، فبدت لي الحياة لوحة بسيطة، واضحة الخطوط، بلا تعقيد.

لكنني لم أكن أدرك حينها أن الشموخ أحيانًا ينحني في خفاء، وأن الصلابة قد تكمن في انكسارٍ عابر، وأن رقة الزهور ليست ضعفًا، بل صمودٌ صامت، يغرس جذوره عميقًا في باطن الأرض ليقاوم في صمت. لم أكن أعلم أن القوة ليست ما يظهر للعين، بل ما يبقى صامدًا رغم العواصف؛ ما يحمل في قلبه شجاعةً ترفض الانكسار، وصبرًا يتجدّد مع كل صباح.

أدركت لاحقًا أن الجمال الحقيقي هو ذاك الذي يجمع المتناقضات في تناغمٍ خفي، حيث تتعانق الرقة مع الصلابة، وحيث تلتقي القوة واللطف في كيان واحد، ليصنع معنىً لا تراه العين، بل تحسه الروح، وتتأمل فيه حكمتها.

* وزيرة الشئون الاجتماعية والعمل سابقاً