عامان ونصف من توقيع اتفاقية الهدنة في نيسان/أبريل 2022 وهي الاتفاقية التي تجددت مرتين وانفرط عقدها في الثاني من تشرين الثاني/أكتوبر من ذات العام، لكنها استمرت قائمة لعامين بشكل غير رسمي؛ إذ يشهد البلد توقفًا للحرب الداخلية؛ باستثناء ما تشهده بعض الجبهات من مناوشات واشتباكات محدودة بين حين وآخر؛ لكنها هدنة هشة يمكن أن تنهار في أي وقت.
شهد العامان حدثين هامين، الأول كان في كانون الأول/ديسمبر العام 2023 وتمثل في إعلان المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، توافق الأطراف اليمنية على خريطة طريق للسلام، والثاني كان في تموز/يوليو بإعلان المبعوث الأممي، أيضًا، توافق الحكومة و«أنصار الله» على تدابير لخفض التصعيد الاقتصادي فيما بينهما. وفي المحصلة لم ينتج عن الإعلانين نتائج عملية باستثناء إلغاء قرارات الحكومة بحق البنوك في صنعاء وقرارات أخرى كانت في صلب التصعيد الاقتصادي. خلال العامين، على انفراط عقد الهدنة، لم يشهد اليمن أي تحول حقيقي في مسار الحرب والسلم؛ فوضع اللاحرب واللاسلم هو السائد؛ حتى أوشك أن يكون هو الثابت في ظل عدم وجود أي متغير حقيقي.
يبقى وضع اللاسلم واللاحرب في غاية الخطورة؛ فبينما قد يُكرس وضعًا قائمًا، ويعزز تقسيمًا تعمل عليه قوى خارجية من خلال بيادق محلية، فإنه يمثل، في الوقت ذاته، تحديًا لإرادة الأطراف اليمنية؛ وإمكانية تحققها في تحديد مصير الصراع بعيدًا عن تأثير المفاعيل الإقليمية والدولية، وإن كان ذلك يبدو صعبًا في الوقت الراهن.
الانتظار
يرى نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، أن الحال اليمني بعد مضي عامين من اللاحرب واللاسلم هو الانتظار؛ لأن حل الصراع الدامي في اليمن مرتبط أوثق الارتباط بالصراع الإقليمي، والذي هو الآخر مرتبط بالصراع الدولي.
ويقول طاهر لـ«القدس العربي»: «لقد ضاعفت الحرب على غزة هذا الارتباط، ولحظة انتظار الحرب لا تقل سوءا عن الحرب نفسها، والتوقع دائمًا أسوأ من الوقوع، فالأطراف اليمنية ربطت مصيرها ومصير شعبها بإرادة الأطراف الخارجية، المنتظرة هي الأخرى لمآل الصراع المبيد والمدمر في غزة والضفة الغربية ولبنان».
ويضيف: «ونتنياهو والإدارة الأمريكية لا تريدان نهاية للحرب إلا بالانتصار النهائي، ونتنياهو يريد تقديم حرب الإبادة في غزة ولبنان هدية لفوز ترامب، الذي سيقرّ بحق إسرائيل في تسيدها على فلسطين – كل فلسطين – والهيمنة على لبنان، وسيأمر الأتباع العرب بقبول التوطين بل وتمويله، وربما تعويض إسرائيل عن خسائر الحرب».
المتغير الحقيقي
وإزاء السؤال عن ثمة متغير حقيقي خلال العامين من اللاسلم واللاحرب يقول عبدالباري: «المتغير الحقيقي هو الانتظار، فكما نشاهد بقي كل شيء على حاله، الحصار الخارجي لم يُرفع، والحصارات الداخلية على حالها، والأسرى لم يتم تبادلهم، والمختطفون، والمعتقلون تزايدت أعدادهم، والمرتبات لم تُصرف، والحريات العامة والديمقراطية، والحريات الصحافية مُصادرة، والانتهاكات تتعاظم ومآسي الجوع والأوبئة الفتاكة وحتى الاشتباكات هناك وهناك لا تزال قائمة ومتفاقمة، والتطبيب والتعليم والأمن في تدهور، ويزداد التفكك والقطيعة بين اليمنيين، والاستيلاء على الجزر والموانئ من بعض أطراف الحرب المراهنين على انتصار إسرائيل النهائي حاصل».
وفيما يتعلق بالأسباب الحقيقية لهذا الجمود، يرى المفكر عبدالباري طاهر «أن تلك هي كلها أسباب الجمود؛ لأن المتحكم هو، أيضًا، محكوم، وليس أمامه إلا انتظار ما يتقرر في غزة ولبنان، وما هو أخطر».
الحرب في غزة
لكن ثمة مَن سيسأل: هل تدخّل «أنصار الله» في إسناد غزة والمقاومة في فلسطين ولبنان يعتبر سببًا مقنعًا لهذه الحالة من الجمود في مسار السلام؟
يقول طاهر: «لا شك أن دعم أنصار الله للمقاومة الفلسطينية واللبنانية دخل في هذا التجميد؛ فالرباعية الدولية وتحديدًا أمريكا وبريطانيا هما طرفان أساسيان في الحرب إلى جانب إسرائيل، وهي أساسًا طرف في العدوان على اليمن، فما يقوم به أنصار الله في البحر الأحمر وباب المندب موجه ضدهم. بقدر ما هو موجه ضد إسرائيل، والمعركة كل لا يتجزأ».
أما عن وجود أفق للسلام في اليمن خلال الفترة القليلة المقبلة، فيعتقد نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، أن «كل شيء يتوقف على نهايات الحرب في غزة ولبنان، واحتمالات استمرارها وتصاعدها في حال توجيه إسرائيل ضربة كبيرة ضد إيران، وهي احتمال راجح، فإن اتساع نطاق الحرب، وربما شموله أطرافا عربية أخرى وارد؛ فمسار الحرب غاية في الخطورة والتعقيد، ولن يكون اليمن والمنطقة العربية بعيدة عنه، وهو ما يريده نتنياهو والإدارة الأمريكية، ووقوع الأسوأ والأشد سوءاً هو ما نخشاه».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news