الترجمة الشفوية وممارستها في المجال الدبلوماسي

     
عدن توداي             عدد المشاهدات : 85 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الترجمة الشفوية وممارستها في المجال الدبلوماسي

أولا- الترجمة الشفوية

في هذا العصر، الذي تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة، بات من المستحيل أن نعيش بمعزل عن الثقافات والحضارات والأخرى، وأصبح الانفتاح على الآخر ضرورة حتمية. والترجمة هي الأداة اللازمة للتواصل اللغوي والثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب. لذا من البديهي أن تكتسب الترجمة اليوم أهمية بالغة في حياة مختلف الشعوب. ومثلما سَبَقَ التواصل اللغوي الشفوي التواصل بالكتابة سبقت الممارسة الشفوية للترجمة ظهور الترجمة التحريرية. ومع ازدياد حركة تنقل الأفراد والاجتماعات واللقاءات العملية والعلمية والدبلوماسية، والمفاوضات والمؤتمرات الدولية التي يشارك فيها أشخاص من لغات مختلفة، تضاعفت كذلك أهمية الترجمة الشفوية.

وبما أن الترجمة الشفوية تتطلب جهدا متواصلا يؤدي إلى استنزاف طاقة المترجم، عادةً ما تلجأ بعض الهيئات إلى تكليف اثنين مترجمين على الأقل للقيام بالترجمة في المؤتمرات واللقاءات الطويلة ليعملان بالتناوب، كل ربع ساعة، أو نصف ساعة. وعند تدريب المترجمين الشفويين يتم التركيز على تحليل النص الشفوي بتلقائية وسرعة فائقة تتناسب مع الحيز الزماني المتاح والمحدود، وترتيب محتواه حسب الأهمية لتيسير نقله إلى اللغة الهدف في الحال.

ثانيا- الترجمة الشفوية في المجال الدبلوماسي

مثلما أزداد مستوى التواصل بين الأفراد في هذا العصر ارتفع كذلك مستوى العلاقات بين الدول والحكومات. ولا شك أن الترجمة، التحريرية والشفوية، تقوم بدورٍ مهمٍ في إدارة تلك العلاقات وترسيخها والحفاظ عليها، فمن المعلوم أن رجال الدولة يفضلون الحديث بلغتهم والاستعانة بمترجم حتى إن كانوا يجيدون اللغة الأجنبية – لغة الآخر. لذلك تساعد الترجمة في المجال الدبلوماسي على ضمان الارتقاء بالعلاقات الخارجية لأي دولة، وتمكنها من إجراء مفاوضات إيجابية ومثمرة مع الدول الأخرى.

وعادةً يتم هذا النوع من الترجمة داخل البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات ووزارة الخارجية، وفي مكتب رئاسة الجمهورية أو الديوان الملكي، وفي مكتب رئيس الوزراء، وكذلك داخل عدد من الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية. وأهم المناسبات التي نحتاج فيها للترجمة الشفوية (الدبلوماسية)، التي اخترنا أن نركز عليها هنا: اللقاءات الثنائية، الضيقة أو الموسعة حول طاولات العمل، والخطابات والمؤتمرات الصحفية وأثناء المآدب الرسمية. ويزداد الطلب على المترجمين الشفويين عندما يلتقي رؤساء الدول أو غيرهم من الشخصيات الرفيعة بنظرائهم في البلدان الأخرى أثناء الزيارات الرسمية. وإضافة إلى الإلمام التام باللغة الأم واللغة الأجنبية والقدرة على التعبير بهما بطريقة سلسة وواضحة، تتطلب الترجمة الشفوية في الأوساط الدبلوماسية اطلاع المترجم بالتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، وبطبيعة القضايا التي سيتناولها المتحدثون. وعلى المترجم أن يكون ملما بالبرتوكولات الدبلوماسية التي تُعد من أبرز العناصر المؤثرة في هذا النوع من الترجمة، والتي تجعلها أكثر صعوبةً وتعقيدا من الترجمات الأخرى، فهذه البرتوكولات الدبلوماسية تنظم العلاقات بين الدول وعادةً ما تضع الخطاب الدبلوماسي في خانة السرية. ونتيجة لذلك، عادةً ما يعاني المترجم الشفوي من صعوبات جمة، أهما تردد كثير من الموظفين في تسليمه الوثائق التي يمكن أن تساعده على الاستعداد لإنجاز مهامه. (انظر علم الترجمة ترجمة د. حميد العواضي، الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة، صنعاء 2007، ص77)كما أن هناك بعض الشخصيات الرسمية التي تفضل أن تصطحب دائما مترجمها الخاص، وفي هذه الحالة يمكن أن يتولى المهمة مترجمان، ويصبح على كل مترجم القيام بمهمته في اتجاه واحد، ويمكن أن يحدث ذلك أيضا حينما يكون أحد طرفي المحادثة ملماً بلغة الطرف الآخر. ومع ذلك، في اللقاءات الرئاسية الرسمية، يتم في الغالب الاتفاق على مترجم واحد يتوافق عليه الطرفان. ويذكر كريستوفر ثيري، الذي عمل رئيسا لقسم الترجمة الشفوية الفورية في وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية وأستاذا للترجمة الفورية في المدرسة العليا للترجمة والترجمة الفورية في جامعة باريس3، أنه في “ما يخص رئاسة الجمهورية، فأن القاعدة العامة أن أحد المترجمين يكون منا أو ممن أبرمنا معه عقدا للعمل، ويكون حاضرا في اللقاء. وإذا كان الزائر مصحوبا بمترجمه الفوري فإننا نتقاسم مهمة الترجمة. والقاعدة الدبلوماسية تقضي أن يصبح كل مترجم فوري هو الناطق باسم رئيس دولته. وهذا ما يفضي غالبا إلى مواقف قلما تكون مرضية، حيث يكون المترجم مدعوا للتعبير بلغةٍ غير لغته الأم. وقلما نجد بالفعل ثنائي اللغة أصلا، لهذا فأن المترجمين الذين يعرف أحدهما الآخر جيدا يتبادلان الأدوار، ويترجم كل واحد منهما إلى لغة رئيس دولته”. (انظر علم الترجمة، ترجمة د. حميد العواضي، ص69)

ومن العوامل التي تعطي للترجمة الشفوية في المجال الدبلوماسي طابعا خاصا: طبيعة اللغة الدبلوماسية التي تميل في كثير من الأحيان إلى عدم المباشرة والصراحة وربما إلى الإيحاء والغموض و(اللف والدوران)، في الوقت الذي يكون على المترجم أن ينقل خطابا مفهوما وواضحا، ولا يترك مجالا للبس أو سوء الفهم والتفسير، وهو أمر يمكن أن تكون له مترتبات مكلفة، لاسيما حينما ينعكس مضمون الخطاب في شكل اتفاقيات ومعاهدات ومذكرات تفاهم بين الدول والحكومات. وعلى المترجم أن يكون قادرا على تمييز الخفايا والفوارق الدقيقة في لغته الأم واللغة التي يترجم منها أو إليها، بما في ذلك المصطلحات والألفاظ العامية التي عادةً ما تبرز في الأحاديث الشفوية، لاسيما اللقاءات شبه الرسمية التي تتم خلال المآدب، إذ أن الطرفين كثيرا ما يمزجان في حديثهما بين الجد والهزل، ولا يترددان في تبادل النكات والحكايات التي تتطلب نقلها إلى اللغة الأخرى جهدا مضاعفا من المترجم، الذي لن يكون نصيبه من الأكل غير المشاهدة. وأتذكر أنني عندما قمت بالترجمة خلال مأدبة رسمية أقامها رئيس الوزراء في مطلع الثمانينات من القرن الماضي كان عليّ أن أترجم لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية ذكريات المهندس حيدر العطاس الذي يؤكد أنه كان أيام دراسته في غيل باوزير يبدأ يومه مع زملائه (بدهف موتر عمشوش) لينقلهم معه إلى المدرسة الوسطى.

وقد يحدث ألا يكون المتحدث أصلا ماهرا في التعبير عن نفسه بوضوح، أو لم يحضّر بشكل جيد للحديث، وفي هذه الحالة يتدخل المترجم لإعطاء ما يقوله بعض الترتيب وربما الجمال، وهذا يعني أن على المترجم الشفوي في المجال الدبلوماسي أن يضفي على ترجمته الصياغة الجميلة والواضحة حتى وإن كان الأصل عفويا وملتبسا. وفي الحقيقة من الصعب على أي مسؤول أن يلجأ إلى الأسلوب الدبلوماسي الملتوي إذا كان يحدث مخاطبيه من خلال الترجمة. وكثيرا ما تسبب (الطريقة الدبلوماسية الملتوية والغامضة في التعبير) شيئا من الحرج للمترجم الذي يدرك تماما تعمد لجوء المتحدث للطريقة الملتوية في صياغة أفكاره، ويحاول عبثا الحفاظ على ما يريده المتحدث من غموض. وأحيانا قد يضطر المترجم إلى طلب مساعدة أو توضيح من المتحدث (حتى إن كان رئيس الدولة) ليتجنب سوء الفهم والترجمة الخاطئة، وإن كان الأمر محرجا. ومن خلال تجربتي يمكنني القول إنه ليس من الممكن دائمًا طرح سؤال على المتحدث لتوضيح مما يقصده بالضبط خلال جلسة مفاوضات أو خطاب أمام حشد كبير من الناس.

شارك هذا الموضوع:

Tweet

المزيد

Telegram

معجب بهذه:

إعجاب

تحميل...

مرتبط

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

خالد سلمان يكشف عن زلزال عسكري قادم نحو تعز والبيضاء.. وساعات لحسم مصير محور الجبولي

نافذة اليمن | 893 قراءة 

اليمن مات. وهذا ما سيحلّ مكانه!

الوطن العدنية | 811 قراءة 

اول ضربة جوية على قوات الانتقالي بوادي حضرموت (تفاصيل)

مراقبون برس | 642 قراءة 

إعلان رسمي: أول مدينة في اليمن تحظر السلاح وتتوعد المخالفين بالعقوبات

نيوز لاين | 612 قراءة 

هل اكتشفت الرياض أن قوات الدرع التي بنتها غير جاهزة للمواجهة؟

الوطن العدنية | 468 قراءة 

حسين الجسمي يستفز الشعب اليمني.. اكتشف القصة

المشهد اليمني | 451 قراءة 

شرطاً جديداً يفرضه منفذ الوديعة على المغتربين اليمنيين

يمن فويس | 442 قراءة 

باسندوة: أتمنى الموت قبل أن أرى تقسيم اليمن

قناة المهرية | 377 قراءة 

رئيس الوزراء الأسبق ‘‘باسندوة’’ يخرج عن صمته ويعلن موقفه من سيطرة الانفصاليين على حضرموت والمهرة: أتمنى الموت قبل أن أرى هذا الأمر!!

المشهد اليمني | 334 قراءة 

ضجة في اليمن بسبب تصريح حسين الجسمي.. ما الذي حدث؟

المرصد برس | 324 قراءة