الترجمة الشفوية وممارستها في المجال الدبلوماسي

     
عدن توداي             عدد المشاهدات : 65 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الترجمة الشفوية وممارستها في المجال الدبلوماسي

أولا- الترجمة الشفوية

في هذا العصر، الذي تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة، بات من المستحيل أن نعيش بمعزل عن الثقافات والحضارات والأخرى، وأصبح الانفتاح على الآخر ضرورة حتمية. والترجمة هي الأداة اللازمة للتواصل اللغوي والثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب. لذا من البديهي أن تكتسب الترجمة اليوم أهمية بالغة في حياة مختلف الشعوب. ومثلما سَبَقَ التواصل اللغوي الشفوي التواصل بالكتابة سبقت الممارسة الشفوية للترجمة ظهور الترجمة التحريرية. ومع ازدياد حركة تنقل الأفراد والاجتماعات واللقاءات العملية والعلمية والدبلوماسية، والمفاوضات والمؤتمرات الدولية التي يشارك فيها أشخاص من لغات مختلفة، تضاعفت كذلك أهمية الترجمة الشفوية.

وبما أن الترجمة الشفوية تتطلب جهدا متواصلا يؤدي إلى استنزاف طاقة المترجم، عادةً ما تلجأ بعض الهيئات إلى تكليف اثنين مترجمين على الأقل للقيام بالترجمة في المؤتمرات واللقاءات الطويلة ليعملان بالتناوب، كل ربع ساعة، أو نصف ساعة. وعند تدريب المترجمين الشفويين يتم التركيز على تحليل النص الشفوي بتلقائية وسرعة فائقة تتناسب مع الحيز الزماني المتاح والمحدود، وترتيب محتواه حسب الأهمية لتيسير نقله إلى اللغة الهدف في الحال.

ثانيا- الترجمة الشفوية في المجال الدبلوماسي

مثلما أزداد مستوى التواصل بين الأفراد في هذا العصر ارتفع كذلك مستوى العلاقات بين الدول والحكومات. ولا شك أن الترجمة، التحريرية والشفوية، تقوم بدورٍ مهمٍ في إدارة تلك العلاقات وترسيخها والحفاظ عليها، فمن المعلوم أن رجال الدولة يفضلون الحديث بلغتهم والاستعانة بمترجم حتى إن كانوا يجيدون اللغة الأجنبية – لغة الآخر. لذلك تساعد الترجمة في المجال الدبلوماسي على ضمان الارتقاء بالعلاقات الخارجية لأي دولة، وتمكنها من إجراء مفاوضات إيجابية ومثمرة مع الدول الأخرى.

وعادةً يتم هذا النوع من الترجمة داخل البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات ووزارة الخارجية، وفي مكتب رئاسة الجمهورية أو الديوان الملكي، وفي مكتب رئيس الوزراء، وكذلك داخل عدد من الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية. وأهم المناسبات التي نحتاج فيها للترجمة الشفوية (الدبلوماسية)، التي اخترنا أن نركز عليها هنا: اللقاءات الثنائية، الضيقة أو الموسعة حول طاولات العمل، والخطابات والمؤتمرات الصحفية وأثناء المآدب الرسمية. ويزداد الطلب على المترجمين الشفويين عندما يلتقي رؤساء الدول أو غيرهم من الشخصيات الرفيعة بنظرائهم في البلدان الأخرى أثناء الزيارات الرسمية. وإضافة إلى الإلمام التام باللغة الأم واللغة الأجنبية والقدرة على التعبير بهما بطريقة سلسة وواضحة، تتطلب الترجمة الشفوية في الأوساط الدبلوماسية اطلاع المترجم بالتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، وبطبيعة القضايا التي سيتناولها المتحدثون. وعلى المترجم أن يكون ملما بالبرتوكولات الدبلوماسية التي تُعد من أبرز العناصر المؤثرة في هذا النوع من الترجمة، والتي تجعلها أكثر صعوبةً وتعقيدا من الترجمات الأخرى، فهذه البرتوكولات الدبلوماسية تنظم العلاقات بين الدول وعادةً ما تضع الخطاب الدبلوماسي في خانة السرية. ونتيجة لذلك، عادةً ما يعاني المترجم الشفوي من صعوبات جمة، أهما تردد كثير من الموظفين في تسليمه الوثائق التي يمكن أن تساعده على الاستعداد لإنجاز مهامه. (انظر علم الترجمة ترجمة د. حميد العواضي، الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة، صنعاء 2007، ص77)كما أن هناك بعض الشخصيات الرسمية التي تفضل أن تصطحب دائما مترجمها الخاص، وفي هذه الحالة يمكن أن يتولى المهمة مترجمان، ويصبح على كل مترجم القيام بمهمته في اتجاه واحد، ويمكن أن يحدث ذلك أيضا حينما يكون أحد طرفي المحادثة ملماً بلغة الطرف الآخر. ومع ذلك، في اللقاءات الرئاسية الرسمية، يتم في الغالب الاتفاق على مترجم واحد يتوافق عليه الطرفان. ويذكر كريستوفر ثيري، الذي عمل رئيسا لقسم الترجمة الشفوية الفورية في وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية وأستاذا للترجمة الفورية في المدرسة العليا للترجمة والترجمة الفورية في جامعة باريس3، أنه في “ما يخص رئاسة الجمهورية، فأن القاعدة العامة أن أحد المترجمين يكون منا أو ممن أبرمنا معه عقدا للعمل، ويكون حاضرا في اللقاء. وإذا كان الزائر مصحوبا بمترجمه الفوري فإننا نتقاسم مهمة الترجمة. والقاعدة الدبلوماسية تقضي أن يصبح كل مترجم فوري هو الناطق باسم رئيس دولته. وهذا ما يفضي غالبا إلى مواقف قلما تكون مرضية، حيث يكون المترجم مدعوا للتعبير بلغةٍ غير لغته الأم. وقلما نجد بالفعل ثنائي اللغة أصلا، لهذا فأن المترجمين الذين يعرف أحدهما الآخر جيدا يتبادلان الأدوار، ويترجم كل واحد منهما إلى لغة رئيس دولته”. (انظر علم الترجمة، ترجمة د. حميد العواضي، ص69)

ومن العوامل التي تعطي للترجمة الشفوية في المجال الدبلوماسي طابعا خاصا: طبيعة اللغة الدبلوماسية التي تميل في كثير من الأحيان إلى عدم المباشرة والصراحة وربما إلى الإيحاء والغموض و(اللف والدوران)، في الوقت الذي يكون على المترجم أن ينقل خطابا مفهوما وواضحا، ولا يترك مجالا للبس أو سوء الفهم والتفسير، وهو أمر يمكن أن تكون له مترتبات مكلفة، لاسيما حينما ينعكس مضمون الخطاب في شكل اتفاقيات ومعاهدات ومذكرات تفاهم بين الدول والحكومات. وعلى المترجم أن يكون قادرا على تمييز الخفايا والفوارق الدقيقة في لغته الأم واللغة التي يترجم منها أو إليها، بما في ذلك المصطلحات والألفاظ العامية التي عادةً ما تبرز في الأحاديث الشفوية، لاسيما اللقاءات شبه الرسمية التي تتم خلال المآدب، إذ أن الطرفين كثيرا ما يمزجان في حديثهما بين الجد والهزل، ولا يترددان في تبادل النكات والحكايات التي تتطلب نقلها إلى اللغة الأخرى جهدا مضاعفا من المترجم، الذي لن يكون نصيبه من الأكل غير المشاهدة. وأتذكر أنني عندما قمت بالترجمة خلال مأدبة رسمية أقامها رئيس الوزراء في مطلع الثمانينات من القرن الماضي كان عليّ أن أترجم لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية ذكريات المهندس حيدر العطاس الذي يؤكد أنه كان أيام دراسته في غيل باوزير يبدأ يومه مع زملائه (بدهف موتر عمشوش) لينقلهم معه إلى المدرسة الوسطى.

وقد يحدث ألا يكون المتحدث أصلا ماهرا في التعبير عن نفسه بوضوح، أو لم يحضّر بشكل جيد للحديث، وفي هذه الحالة يتدخل المترجم لإعطاء ما يقوله بعض الترتيب وربما الجمال، وهذا يعني أن على المترجم الشفوي في المجال الدبلوماسي أن يضفي على ترجمته الصياغة الجميلة والواضحة حتى وإن كان الأصل عفويا وملتبسا. وفي الحقيقة من الصعب على أي مسؤول أن يلجأ إلى الأسلوب الدبلوماسي الملتوي إذا كان يحدث مخاطبيه من خلال الترجمة. وكثيرا ما تسبب (الطريقة الدبلوماسية الملتوية والغامضة في التعبير) شيئا من الحرج للمترجم الذي يدرك تماما تعمد لجوء المتحدث للطريقة الملتوية في صياغة أفكاره، ويحاول عبثا الحفاظ على ما يريده المتحدث من غموض. وأحيانا قد يضطر المترجم إلى طلب مساعدة أو توضيح من المتحدث (حتى إن كان رئيس الدولة) ليتجنب سوء الفهم والترجمة الخاطئة، وإن كان الأمر محرجا. ومن خلال تجربتي يمكنني القول إنه ليس من الممكن دائمًا طرح سؤال على المتحدث لتوضيح مما يقصده بالضبط خلال جلسة مفاوضات أو خطاب أمام حشد كبير من الناس.

شارك هذا الموضوع:

Tweet

المزيد

Telegram

معجب بهذه:

إعجاب

تحميل...

مرتبط


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

باسم "الولاية".. الحوثيون يمنحون العصابات تصريحًا مفتوحًا لنهب أراضي اليمنيين

حشد نت | 825 قراءة 

القوات الأمريكية تستخدم صواريخ ”توماهوك” لأول مرة في قصف صنعاء.. تطورات ميدانية غير مسبوقة

المشهد اليمني | 793 قراءة 

تصريح مثير من أمين صنعاء: ضربة أمريكية لإيران وتحرير اليمن هذا العام

كريتر سكاي | 679 قراءة 

بعد مغادرته للعاصمة عدن بصورة مفاجئة...مصدر سياسي يصدم الجميع ويكشف سبب سفر الرئيس العليمي الى الرياض "شاهد"

جهينة يمن | 604 قراءة 

ترامب يكشف متى ستتوقف الغارات ضد الحوثيين في اليمن

مساحة نت | 550 قراءة 

السعودية تعلن قتل وصلب مواطن يمني ارتكب هذه الجريمة

بوابتي | 534 قراءة 

زيارة غروندبرغ إلى طهران.. غضب يمني وتحذيرات من تداعيات إقليمية

حشد نت | 466 قراءة 

عاجل: الطيران يقصف الان جهة مطار الحديدة بقنابل ارتجاجية

كريتر سكاي | 411 قراءة 

مصادر دبلوماسية: ناطق الحوثيين محمد عبد السلام زار السعودية أواخر رمضان

بوابتي | 392 قراءة 

غارات أمريكية تستهدف مديريتي بني مطر وسنحان بصنعاء وعدداً من مناطق صعدة

يمن إيكو | 388 قراءة