كتب : حسام ردمان
لقد كشف طوفان الاقصى بوضوح عن مكامن الخلل البنيوي الذي تعانيه المنطقة ؛ فمن جهة هناك الدول المارقة التي تقودها اوهام الهيمنة والتوسع (اسرائيل و ايران) . و من جهة أخرى هناك الدول الهشة التي سرقت المليشيات المسلحة قرار مؤسساتها و بادرت الى اشعال الحروب في حين ان الشعوب هي من سوف تتولى لاحقا تسديد فواتير الصراع من مواردها الاقتصادية ومن لحمها الحي (لبنان ، اليمن ، العراق ، سوريا ، السودان ، ليبيا).
و خلال عام كامل من الصراع الذي بدأ في غزة ، ثم تمدد على طريقة الدمنيو في عموم المنطقة ، فانه يمكن الخلوص بشكل أولي الى خمسة دروس مستفادة:
١- في جميع الاحوال فان اختلال ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، باي اتجاه كان ، سوف يعني تهديد المصالح العربية ؛ فتفوق اسرائيل العسكري جعلها تتحول من مقتضيات الدفاع عن الدولة اليهودية ، الى مطامع تحقيق يهودية الدولة وما يترتب على ذلك من توسيع للحدود كي تشمل غزة و الضفة الغربية وجنوب لبنان.
وفي المقابل فان تنامي نفوذ ايران الاقليمي خلال المرحلة السابقة عمق اكثر من هشاشة الدول العربية المأزومة ، واليوم مع تراجع نفوذها وخسارتها امام اسرائيل فإنها تلوح باستهداف الدول العربية المستقرة.
٢- لعبت طهران دور كبيرا في تسليح المقاومة الفلسطينية ، وقد اظهرت نوعا من التضامن العسكري مع حرب غزة ، وان كان هذا التضامن قد اندرج ضمن حدود استعراض القوة ولم يكن له اي دور حقيقي في تغيير مجريات الاحداث.
لكن وقائع الاحداث على مدار عام كامل اثبتت ان النظام العربي الرسمي - الذي تهاجمه ابواق محور الممانعة- هو الضامن الحقيقي لبقاء القضية الفلسطينية و الحائل امام مشاريع تصفيتها (مصر والاردن من خلال منع سيناريو التهجير ، السعودية من خلال النفوذ الدولي للإبقاء على حل الدولتين والتمسك بالمبادرة العربية كشرط للتطبيع ، قطر من خلال استضافة قادة المقاومة وتأمين حياتهم التي أصبحت عرضه للخطر حينما غادروا الدوحة صوب طهران كما جرى للشهيد إسماعيل هنية).
هذه الضمانة العربية لبقاء القضية لا تحظى بانتباه الراي العام العربي الذي يتشكل ادراكه بناء على زعيق الدعاية او اصوات الانفجارات. اما ايران فإنها لا تمانع المغامرة تحت يافطة القضية الفلسطينية حتى وان ادى ذلك في المحصلة الى تصفية القضية وشعبها و عسكرة عموم المنطقة فيما يصب اكثر في صالح اسرائيل.
٣- لا يمكن لخيار المليشيات المسلحة والطائفية ان تفضي ابدا الى قيادة حركة تحرر وطني تقوض اسرائيل ، حتى وان حققت بعض الانتصارات التكتيكية الرمزية (الحوثي ٢٠٢٣)، او حتى في حال حققت نجاح استراتيجي مؤقت (حرب لبنان ٢٠٠٦) . فانها تظل دائما عاجزة عن بناء النماذج الوطني السياسي الجامع والجاذب ، وتظل عاجرة عن تحويل قوتها المسلحة الى مردود سياسي.
٤- ان الوجود الامريكي في المنطقة وبقدر ما يمثله من دعم مفتوح للجانب الاسرائيلي ، فانه ايضا يمثل ضمانه لحماية مصالح ايران القومية ، من خلال الابقاء على "قواعد الاشتباك"، وليس ادل من ذلك تدخل الادارة الامريكية اليوم كي تقنع نتنياهو برد محدود على ضربة ايران الصاروخيه.
ومع ذلك يظل الموقف الامريكي مهم في كبح تل ابيب و طهران ، وهو العامل الاهم اليوم لإمكانية وقف الحرب على غزة ولبنان. لكنه لن يكفي مستقبلا للدفع نحو حل الدولتين ، ولعل هذا هو ما جعل الرياض تعلن عن تحالف دولي لاقامة الدولة الفلسطينية.
٥- اخيرا فان هذا المخاض الاقليمي الذي اطلقته عملية طوفان الاقصى ؛ قد اكد واقعيا ان مطلب التكامل العربي لم يعد مجرد شعار سياسي او هدف اخلاقي ، بل بات ضرورة جيوسياسية قصوى لكي يكون لنا دور مستقبلي في اعادة تشكيل موازين المنطقة.
واليوم باتت الظروف ناضجة اكثر من اي وقت مضى لتوليد محور عربي ، و يمكن ان يضاف اليه تركيا ، يكون هدفه (تحقيق حل الدولتين ، منع مشاريع الهيمنة العدائية في الاقليم ، مساعدة الدول الهشة على تجاوز محنتها ، تحقيق التنمية والاستقرار).
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news