تعيش المحافظات اليمنية واقعًا مأساويًا يتجاوز آثار الحرب المستمرة منذ عقد، حيث يتزايد الإحباط الشعبي مع استمرار الفساد في مؤسسات الشرعية، التي كان يُؤمل أن تكون مصدرًا للاستقرار والتنمية. في كل محافظة، من صنعاء شمالاً إلى عدن جنوبًا، ومن المهرة شرقًا إلى الحديدة غربًا، تُظهر الحقائق الميدانية أن الصراع ليس فقط ضد الحوثيين أو القوى المسلحة الأخرى، بل أيضًا ضد إدارة سيئة وفساد مستشرٍ يعمّق معاناة المواطنين.
الأموال تُهدر والتنمية غائبة
في محافظة مأرب، التي تعتبر نموذجًا للنشاط الاقتصادي والاستراتيجي بفضل مواردها النفطية، نجد أن السكان لا يزالون يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. على الرغم من الإيرادات الضخمة، تُنفق الأموال في مشاريع سطحية أو غير مكتملة، فيما تستمر المدينة في استقبال أعداد كبيرة من النازحين الفارين من مناطق الصراع، مما يزيد من الضغط على بنيتها التحتية الضعيفة.
أما في عدن، عاصمة البلاد، والتي يُفترض أن تكون منطلقًا لاستعادة الدولة، فتغرق في أزمات متتالية. الفساد الإداري والمالي يعرقل أي جهود حقيقية لتحسين الخدمات، حيث تشهد المدينة انقطاعات مستمرة في الكهرباء، وندرة في الوقود، وانتشار الأمراض نتيجة لانهيار النظام الصحي، هذا التدهور يأتي في ظل تخصيصات مالية ضخمة تُصرف تحت مسمى إعادة الإعمار، لكنها لا تجد طريقها إلى المواطنين.
محافظات الجنوب: استنزاف الموارد بلا جدوى
في محافظات الجنوب، مثل لحج وأبين والضالع، تشكل الموارد الطبيعية والزراعية مصدر أمل للكثيرين، لكن الصراع على النفوذ والسلطة يعرقل الاستفادة الحقيقية من هذه الموارد. المشاريع الزراعية التي كان من المفترض أن تنعش الاقتصاد المحلي توقفت بسبب الفساد وسوء الإدارة، مما أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة بين السكان المحليين.
وفي محافظة حضرموت، التي تشتهر بثرواتها النفطية، يتساءل المواطنون عن مصير العائدات المالية الضخمة التي تدخل إلى خزينة الدولة، على الرغم من وجود إيرادات كبيرة، لا تزال مناطق حضرموت تعاني من سوء الخدمات الأساسية، وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفع الكثير من شبابها إلى الهجرة أو البحث عن فرص عمل خارج اليمن.
المحافظات الغربية: معاناة بين الحرب والفساد
المحافظات الغربية مثل الحديدة وحجة، تواجه الآن تحديات هائلة في إعادة الإعمار، رغم تخصيص موازنات ضخمة تحت مسمى "إعادة بناء المناطق المحررة"، إلا أن هذه الأموال تُهدر على مشاريع وهمية، فيما تظل هذه المناطق في حالة دمار شبه كامل، والسكان يعيشون بين أنقاض منازلهم المدمرة، يتساءلون عن وعود التحرير التي تحولت إلى سراب في ظل الفساد المتفشي.
الشمال تحت قبضة الحوثيين: بين الاستغلال والمعاناة
في الشمال، حيث يسيطر الحوثيون على صنعاء وصعدة وعمران وذمار، يعاني المواطنون من استغلال الموارد في خدمة آلة الحرب، وفرض الضرائب والجمارك غير القانونية على التجار والمواطنين بات سمة من سمات الإدارة الحوثية، فيما تُستخدم هذه الأموال لتمويل الجبهات العسكرية، في ظل هذا الواقع، تتفاقم المعاناة الإنسانية مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل، مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن سبل للنجاة في ظل هذا الصراع المستمر.
التأثير الشامل للفساد على مستقبل اليمن
بغض النظر عن الفروقات الجغرافية أو التوزيعات السكانية، يبقى الفساد هو العدو الأكبر الذي يعوق أي تقدم في اليمن، وما يجمع كل المحافظات هو واقع مؤلم يتجسد في هدر المال العام، واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية دون تحقيق أي أثر ملموس على حياة المواطن في الوقت الذي تُعقد فيه المؤتمرات واللقاءات الدولية لتقديم الدعم لليمن، نجد أن هذه الأموال تُنهب قبل أن تصل إلى مستحقيها.
تواجه اليمن تحديات هائلة ليس فقط على المستوى العسكري، ولكن أيضًا في مواجهة الفساد الذي ينخر في جسد الدولة، إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن اليمن لن يتعافى حتى بعد انتهاء الحرب، المطلوب اليوم هو إصلاح شامل يبدأ من تعزيز الشفافية والمساءلة، وتوجيه الموارد نحو تحقيق تنمية حقيقية تخدم جميع اليمنيين في مختلف المحافظات، فالشعب اليمني لا يحتاج إلى وعود زائفة، بل إلى أفعال ملموسة تعيد الأمل لمستقبل أكثر إشراقًا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news