يانصيب لنوبل الأدب 

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 134 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
يانصيب لنوبل الأدب 

ربّما كان من مصادفات الحظ غير الطيب أن أنغمس في قراءة رواية (الأخوة كارامازوف) لدوستويفسكي في الشهر الماضي وبداية الشهر التشريني الذي يشهد إعلان جوائز نوبل السنوية. عندما حاولتُ قراءة رواية (النباتية) للمُتوّجة بنوبل الأدب 2024 بدت لي الرواية كمن يتناول ساندويتشة فلافل سيئة المكوّنات بعد أن كان قد تناول عشاءً باذخاً (أقرب لعشاء الفيلسوف كانْت) في ليلة سابقة. هذا هو الحظ غير الطيب الذي قصدته في البدء.

من المفيد للمرء أن يراجع بعض الكلاسيكيات في الأدب والفلسفة كلّ بضعة شهور. تبدو لي هذه المراجعة مثل كنس الملفات المتقادمة وغير المفيدة في جهاز الحاسوب. الإنغماس حدّ الغرق في لجّة السائد من الأدب والفلسفة ليس بالعمل الحكيم أبداً. سبق للروائي الراحل (إيتالو كالفينو) أن كتب كتاباً رائعاً نشرته (المدى)، عنوانه (لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟)، قدّم فيه أسبابه لضرورة قراءة كلاسيكيات الأدب، وهو ما يصحّ مع الفلسفة كذلك.

ما يفعله الكلاسيكيون (وهذا بعض فضائلهم العظمى) أنّهم يذكّروننا بنقطة شروعنا البشرية في هذه الحياة وينتشلوننا من هوّة الغرق في معضلاتنا الآنية التي هي نتاجُ تعقيدات معيشنا اليومي. الروائيون الجدد غارقون بكامل أجسادهم في بركة معضلاتنا اليومية الناجمة عن تعقيدات تقنية في الغالب. النتيجة أننا سنقرأ (هان كانغ) أو (آني إرنو) ونظائرهما من حاملي نوبل من غير توق لإعادة قراءتهم في مستقبل قريب أو بعيد. معظمنا في الغالب يقرأهم مدفوعاً بسمعة اللجنة النوبلية وسطوتها ، وسيخاطب نفسه بين صفحة وأخرى: وهل أفهم أنا أكثر ممّا يفهم أعضاء نوبل المطوّبون؟ وهل أرى بأفضل ممّا يرون؟

حكاية الإمبراطور وملابسه غير المنظورة تبدو حاضرة دوماً.

الجميل في نوبل الأدب 2024 أنّها مرّت بسلام وهدوء من غير كثير ضوضاء كما في السنوات السابقة؛ وكأنّ خيارات نوبل صارت معروفة: الإبتعاد عن الأسماء الكبيرة، وبدلاً منها صَعْقُ المتوقّعين والمراهنين بأسماء غير متوقعة. ربما المفاجأة الكاملة هي السمة الأهم لجوائز نوبل الأدب في العشر سنوات الماضية، وأظنّ أن هذا التقليد سيمضي ويترسّخ على هذه الشاكلة. لو كانت لهذه الخصيصة فضيلة وحيدة فأحسبها في أنها تمنح الجائزة لأسماء أدبية ما شبعت بعدُ من مال الأدب وشهرته. لستُ ساذجة لأقبل فذلكات وتسويغات تجعل (هان كانغ) أفضل من (مارغريت آتوود) مثلاً أو كُتّاب وكاتبات سواها وهم كثرة.

يجب أن نقتنع في نهاية المطاف أنّ نوبل الادب أبعد ما تكون عن معيار الإستحقاق، والحقُّ أنّ أعضاءها ما ادّعوا يوماً أنّ معيار الإستحقاق هو الحاكم لخياراتهم على الأقل في العقد الأخير من عمر الجائزة. الجائزة عمل لوجستي تنهض به الحكومات. أنت في جائزة نوبل 2024 تكاد تشمّ رائحة (سامسونغ) وراء الجائزة. في يومنا هذا صار السبق في مباراة الهرم الرباعي (تصميم وتصنيع الرقائق الألكترونية- سطوة الأسلحة النووية الستراتيجية-  تقنيات الذكاء الإصطناعي- جائزة نوبل الأدب) معياراً معلناً متفقاً عليه للريادة العالمية بين الدول. قاتلت الصين حتى تحوز نوبل الأدب 2024. لم تفلح هذا العام. لا بأس. ستفلح حتماً في السنوات الخمس القادمات.

هذه بعض حتميات الأمور. من العبث الاعتقاد بأن الجائزة قد تُمنَحُ لبلد غاطس في الفساد ويعجز عن رفع القمامة من شوارعه. لو إصطَفَتْك الآلهةُ بكلّ عبقريات أدباء العالم ( وروائييه بالتخصيص) فلن تحوز الجائزة النوبلية لو شاء لك الحظ العاثر أن تنتمي لبلد لا تعرف حكومته معنى ووظيفة وسياقات منح الجائزة النوبلية.

لديّ إقتراحان لتطوير نوبل الأدب: الأوّل (وقد سبق لي الكتابة عنه في مقالة سابقة) أن يعمد مسؤولو نوبل إلى تقسيم الجائزة لثلاث فئات: فئة أولى لكاتب، وفئة ثانية لكاتبة ، وفئة ثالثة لكاتب أو كاتبة من خارج نطاق مايسمى بالمركزية الغربية. هكذا يستقيم بعض إعوجاج نوبل الأدبية. لماذا تقتصر الجائزة على فائز واحد بدلاً من إثنين أو ثلاثة كما هو معمول به مع باقي فروع الجائزة؟ الإقتراح الثاني أن تضع لجنة نوبل أسماء مرشّحيها في ماكنة يانصيب يتكفّل فيها الحظ الطيب والمصادفة البحتة بإختيار الفائز، ولن يكون أمراً فارقاً أن يكون (س) أو (ص) أو (ع)،،، فكلهم سيكونون بالقدر ذاته من بلوغ الكشف عن “مكامن الهشاشة البشرية”!!.

هل كان الأدب يوماً شيئاً غير الكشف عن هشاشتنا البشرية ومحاولة العيش الشاق مع مفاعيلها؟

عندما قرأت بعض صفحات من روايات (كانغ) طاف بذهني مشهد للناقد الراحل(هارولد بلوم) وهو يتلقّى خبر فوزها بنوبل الأدب. أظنّ وقع الأمر عليه سيكون مماثلاُ لإعلان حرب نووية توصف بحرب القيامة. هل سيبقى معتمدٌ أدبي بعد اليوم؟ أوقنُ أنّه لن يبقى. لن تبقى سوى (اليد الخفية) لخيارات اللجنة النوبلية وهي تتلاعب بالسوق الحرّة للادب العالمي. ربما الكلاسيكيات الأدبية هي وحدها ما ستقف بوجه خيارات اللجنة النوبلية لتعمل مصدّاً واقياً منها.

أن نكرّس لأنفسنا بعض الأيام كلّ سنة لنراجع كلاسيكيات الأدب هو أفضلُ ما نستطيعه بوجه هذه الجائحة النوبلية التي بسببها ستكون أعمال آتوود ومعاصريها من الكُتّاب والكاتبات الكبار في عداد الكلاسيكيات الاغريقية الرفيعة  بعد زمن ليس ببعيد أبداً. 

     

* الصور: التقليد الأدبي الغربي أو المعتمد الأدبي للناقد الراحل هارولد بلوم،

الاخوة كارامازوف-مارغريت آتوود، لماذا نقرأ الكلاسيكيات لكالفينو – هان كانغ فائزة نوبل 2024، كونديرا الكبير الذي اخطأته الجائزة-فيليب روث عملاق الرواية الأمريكية مرشح دائم للجائزة خطفه الموت.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الزبيدي يضع شرطًا لمشاركة القوات الجنوبية في تحرير صنعاء

نيوز لاين | 621 قراءة 

باحث سعودي: المفاوضات تتسارع والانتقالي يقع في فخ حساباته

نيوز لاين | 575 قراءة 

محلل عسكري يكشف ورقة ضغط سياسية قد تُربك الحوثي والانتقالي

نيوز لاين | 491 قراءة 

اشتعال المعارك في مأرب اليمنية بين قوات الجيش و الحوثيين

يمن فويس | 428 قراءة 

تصريحات أصالة نصري عن اليمن تثير الجدل من جديد.. ماذا قالت؟

المشهد اليمني | 412 قراءة 

ظهور وزير بالشرعية وهو نائم اثناء الاجتماع بعيدروس الزبيدي في عدن

كريتر سكاي | 383 قراءة 

اليمن.. الرئيس يعلن أهم أولويات المرحلة

مراقبون برس | 329 قراءة 

عشبة القات تصل مكة المكرمة والقبض على مقيم بحوزته كمية كبيرة

يمن فويس | 306 قراءة 

تصعيد جديد في حضرموت.. هذه تفاصيله والجهة التي تقف وراءه!

موقع الأول | 277 قراءة 

رجال خولان يرتكبون اعتداءً جديدًا في شارع حدة بدعم عربات عسكرية حوثية

المشهد اليمني | 234 قراءة