شهدت العاصمة الإماراتية أبوظبي، منتصف سبتمبر/أيلول المنصرم، لقاءً لافتًا بين عضوي مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزُبيدي طارق صالح، لتبادل وجهات النظر حول المستجدات السياسية والعسكرية.
اللقاء الذي جاء في سياق متغيرات متسارعة على الساحة اليمنية، وتزامنًا مع مباحثات سعودية-حوثية حول تسوية سياسية، يطرح تساؤلات حول ما إذا كان تحالف الزبيدي-صالح خطوة استباقية لخلق توازنات جديدة في المشهد السياسي أم مجرد رسالة تذكير بتأثيرهما المستمر في المعادلة اليمنية.
•
لماذا الآن؟
"ما أعلنه إعلام المجلس الانتقالي الجنوبي، وإعلام قوات المقاومة الوطنية طارق صالح عن غرض اللقاء كان لتنسيق جهودها ضد الحوثيين لا أعتقد بصحته، فثمة عوامل وجهات إقليمية ودولية وازنة كانت خلف اللقاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات" يقول المحلل والباحث السياسي صلاح السقلدي لـ"يمن فيوتشر".
يتابع، "واشنطن، التي أخفقت بضم دول عربية وخليجية لتحالف الازدهار التي شكلته في البحر الأحمر لمجابهة هجمات الحوثيين هناك، تسعى لتشكيل تفاهمات غير معلنة مع قوى يمنية ممثلة بقوات صالح والزبيدي، كما أن التوجس من تجاوزهما وتهميش دورهما - الانتقالي والمقاومة الوطنية - في التسوية القادمة جعلهما يجهران بهذا التخوف".
يضيف، "كان ملاحظًا أن وسائل إعلام الطرفين تعمدت إظهار صور اللقاء ونشرها، وهذا يدعم صحة ما تحدثنا به مسبقًا من أن اللقاء في هذا التوقيت يحمل عديد رسائل، إذ كان بوسعهما اللقاء خلسة كما يفعلان كل مرة، لكن إظهار اللقاء للعلن له مغزى لا تخطئه عين".
"وبرغم نقاط الخلافات العميقة التي تتجاوز نقاط اللقاء بينهما إلا أن هذا لم يمنعهما وتحت إشراف ورعاية إماراتية أن ينسقا عملهما تحت عنوان محاربة الحوثيين، مع أن الغرض أبعد من هذا"، حد وصفه.
ويعتقد السقلدي، أن هذه اللقاءات هي تفاهمات مرحلية محدودة الأثر لن يكتب لها النجاح على المديين المتوسط والبعيد؛ "لأن الخلافات بينهما مصيرية ومُعقّدة".
وهذه إشارة واضحة إلى الخلافات فيما يتعلق بشكل الدولة التي يطمح إليها الطرفان خلال المرحلة القادمة.
فالمجلس الانتقالي الجنوبي يرفع شعار استعادة الجمهورية السابقة، جنوب اليمن، بحدود ما قبل 1990، لكنه بدأ منفتحًا خلال الأعوام الماضية على خيار الحل الفيدرالي وهي ديناميكية تبدو ناتجة عن عديد عوامل أهمها التأثير الخليجي ومشاركته في الحكومة وخارطة السيطرة غير المتوازنة.
وخارطة السيطرة معضلة تواجه المجلس الانتقالي الجنوبي بالفعل، فمن بين 8 محافظات جنوبية يحكم المجلس سيطرته المطلقة فقط على محافظة عدن، مركز الحكومة المعترف بها دوليًا، إلى جانب محافظة الضالع مسقط رأس رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزُبيدي، ورغم الحضور القوي نسبيًا في محافظات سقطرى وأبين ولحج وشبوة، لكن تواجد قوات أخرى عسكرية وأمنية تابعة للحكومة في هذه المحافظات تثير القلق لدى المجلس رغم أنها قوات جنوبية بالكامل.
ومحافظة المهرة، ثاني كبرى محافظات البلاد مساحة، تمثل الحضور الأضعف للمجلس الانتقالي الجنوبي، إذ يقتصر تواجده على النشاط السياسي المحدود لدوائره في المحافظة الساحلية المحاذية لسلطنة عُمان، ما يعكس حقيقة الوجود السعودي القوي في المحافظة.
وفي حضرموت المجاورة، مترامية الأطراف، يتركز حضور المجلس الانتقالي في مديريات الساحل عبر بعض الوحدات العسكرية، لكنه يواجه تحديًا من نوع آخر فيما يتعلق بمستقبل علاقته بهذه القوات عند أي تغيير سياسي قادم، بالتوازي مع بروز قوى سياسية مدعومة من السعودية، فيما لا تتواجد قوات تابعة للانتقالي في مديريات الوادي الخاضعة بشكل كامل لقوات المنطقة العسكرية الأولى، باستثناء حضور سياسي محدود في المنطقة ذاتها.
على الجانب الآخر، تسيطر قوات المقاومة الوطنية على أجزاء واسعة من مناطق الساحل الغربي التي تسلمتها من قوات العمالقة السلفية. ومدينة المخا الواقعة على ساحل البحر الأحمر والتابعة إداريًا لمحافظة تعز جنوبي غرب البلاد، هي المركز الرئيسي لهذه القوات.
وأشار السقلدي، إلى أن الأوضاع المتفاقمة نحو الفوضى في حضرموت، ضاعف من سخط وتبرم الانتقالي من جهود التحالف، والسعودية بالذات، في تحجيم دوره هناك، "ما عزز رغبته في إرسال رسائل حادة لمن يعنيهم الأمر وألمح إلى أن صبره قد نفذ حيال مساعي الآخرين لتقليم أظافره وقصقصة ريشه وبوسعه أن يفكر ويتحرك خارج الصندوق."
•
ظروف متشابهة.. أسباب مختلفة
في 7 أبريل/نيسان عام 2022، أعلن الرئيس السابق "عبد ربه منصور هادي" تنازله عن السلطة في بيان متلفز من العاصمة السعودية الرياض، تضمن نقل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، وعضوية فرج البحسني، عيدروس الزُبيدي، سلطان العرادة، عثمان مجلي، طارق صالح، عبد الرحمن المحرمي وعبدالله العليمي.
وأنهى البيان أكثر من 10 أعوام من حكم الرئيس السابق الذي تسلم مقاليد السلطة في 25 فبراير/شباط 2012، بموجب اتفاق المبادرة الخليجية عقب احتجاجات شعبية واسعة ضد نظام الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ضمن موجة احتجاجات ما سُمّي "الربيع العربي" آنذاك.
وإلى قبل ذلك، بالعودة إلى الوراء، كانت بداية المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية، دراماتيكية وبشكل تصاعدي كقوى ناشئة صغيرة إلى قوات تسيطر على مناطق واسعة في الساحل الغربي والمحافظات الجنوبية.
وفي حين بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي من الصفر، انطلقت قوات المقاومة الوطنية في تجميع قواتها التي تبعثرت بفعل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
وإذ تتشابه نسبيًا الظروف التي أدت إلى بروزهما، فإن الأسباب والعوامل التي حفزت وصولهما إلى هذه المرحلة تبدو مختلفة تمامًا.
يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي كما يقول في خطاباته الرسمية ووسائل الإعلام إلى استعادة دولة الجنوب أو ما كان يعرف سابقًا بـ(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) فيما المقاومة الوطنية تسعى إلى استعادة الدولة والنظام الجمهوري وتحرير صنعاء.
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في 11 مايو/أيار عام 2017 عقب الإطاحة بعيدروس الزُبيدي من منصب محافظ عدن، وهاني بن بريك من منصب وزير الدولة في 27 أبريل/نيسان 2017، ووسع المجلس من نشاطه السياسي والعسكري إذ افتتح عديد دوائر في الداخل والخارج وإنشاء قوات أمنية وعسكرية بالتوازي مع دعم لافت من أبوظبي.
خلال عامي 2018 و2019، خاض المجلس الانتقالي مواجهتين على التوالي مع قوات الحكومة الشرعية في عدن. في الأولى، 30 يناير/كانون الثاني 2018، سيطر على ثلاثة معسكرات تابعة للقوات الحكومية، لكن التحالف تدخل لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه عقب الاشتباكات التي استمرت لمدة 3 أيام.
لكن المجلس أحكم في 10 أغسطس/آب 2019 سيطرته على مدينة عدن، في المواجهة الثانية، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الحماية الرئاسية أسفرت عن كلفة أكبر من حيث الخسائر المادية من الطرفين والمدنيين، قبل أن يوسع المجلس انتشاره صوب محافظة أبين أواخر أغسطس/آب حتى سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
على الجانب الآخر، في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، قُتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وفي أوائل يناير/كانون الثاني 2018 تداول نشطاء صورة لابن شقيقه العميد طارق محمد عبدالله صالح، وكان ذراعه اليمنى، بعد إصابته في المواجهات مع الحوثيين، قبل أن يظهر بعيد أيام في محافظة شبوة، في عزاء "عارف الزوكا" القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي قُتِل مع الرئيس الأسبق.
تأسست قوات المقاومة الوطنية في 19 أبريل/نيسان 2018 وتولى طارق صالح بدعم إماراتي مهمة جمع بقايا القوات التابعة للرئيس الراحل وإشراكها في جبهات القتال ضد الحوثيين في مناطق الساحل الغربي. وفي منتصف العام 2019 أُعلن عن ضم قوات الساحل الغربي (المقاومة التهامية وقوات العمالقة والمقاومة الوطنية) تحت قيادة واحدة تسمى "القوات المشتركة". وفي الـ25 من مارس/أذار 2021، أعلن صالح عن تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية.
•
تقاطعات ونقاط التقاء
رئيس مركز مسارات للدراسات، باسم الشعبي، قال لـ"يمن فيوتشر"، إن نقاط الالتقاء بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية عديدة، أولها الشراكة في السلطة الشرعية بصفتهما عضوين في مجلس القيادة الرئاسي الذي يرأسه رشاد العليمي.
ويتشاركان إلى ذلك في جبهة واحدة ضد جماعة الحوثي، وهي نقطة لقاء أخرى بينهما على الرغم من أن الحرب لم تعد كما كانت؛ "لأن القوات التابعة للحكومة الشرعية أصبحت في موقع دفاع وليس موقع هجوم". إلى جانب الدعم الإماراتي الراعي لهذا التوافق واللقاء بينهما.
وأشار الشعبي إلى واحدة من أبرز نقاط الخلاف، وهي الملف الجنوبي، "لأن المجلس الانتقالي وإن قدّم تنازلات كثيرة من أجل حل الملف اليمني بشكل عام، إلا أن الجماهير في الجنوب سوف ترفض أي حل ينتقص من عدالة القضية الجنوبية."
وأضاف، "التحالف بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية سيستمر إذا كانت هناك تسوية سياسية للأزمة اليمنية بشكل عام؛ لأنهما سيكونان ضمن الحكومة التي ستنبثق عن الاتفاق القادم، وإذا لم يحصل أي تسوية سياسية سيطول هذا الفراغ."
واستدرك، "سيستمر التحالف بين الطرفين لكنه سيفقد معناه دون مقاومة الحوثيين ورد الفعل بالفعل، عدا عن تطويل الوقت واللعب على عواطف اليمنيين، والجنوبيين بشكل خاص."
"الإمارات سوف ترعى هذا التحالف، وسوف تدافع عنه وأعتقد من ثمار هذا التحالف الرمي بورقة أحمد علي عبدالله صالح ليكون له موقع في المرحلة القادمة، والانتقالي يبدو موافقًا، لكن هذا سيواجه معارضة من اليمنيين والجنوبيين"، قال.
•ماذا بعد؟
قبل أعوام من الآن لم يكن من الوارد حتى في أسوأ الحالات أن ينشأ تحالف بين تيار جنوبي يسعى إلى فك الارتباط عن الشمال مع بقايا جناح المؤتمر التابع للرئيس الأسبق الذي كان المتهم الأول بالنسبة لقطاع واسع من الجنوبيين على خلفية حرب العام 1994 والإجراءات التي تلتها واستهدفت الموظفين والكوادر والمؤسسات الجنوبية.
والآن بعد مرور حوالي 17 عام من انطلاق احتجاجات فصائل الحراك السلمي الجنوبي؛ أصبح الأمر حقيقة؛ نتيجة تبدل التحالفات وظهور قوى جديدة وقوية أفرزتها المتغيرات في مناطق النفوذ الحكومي منذ ما بعد تحرير مدينة عدن، يوليو/تموز 2015، ومقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ديسمبر/كانون الأول 2017.
الباحث والمحلل السياسي صلاح السقلدي أشار إلى أن الخلاف بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية عميق، "فنحن نتحدث عن مشروعين سياسيَين متصادمَين يستعصي على أي لقاء أو تحالف بينهما أن يتجاوزه حتى وإن تم تقليص الهوة قليلًا ولفترة محددة"، مضيفًا، "فإن ظلت العلاقة بينهما كما هي الحال من الهدوء والود فهذا مكسب للطرفين، وهو أمر ممكن الحدوث بوجود من يظل ضاغطًا على غطاء الطنجرة لئلا ينفجر"، في إشارة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وفيما يخص انعكاسات التقارب بين القوتين على الخارطة العسكرية، فإنه لا يُغير كثيرًا من المشهد بحسب رأي (السقلدي) الذي قال: "الطرفان لا يعنيان بلقائهما الأخير تنسيقًا عسكريًا كما أُشيع بل هي كما أشرنا رسالة سياسية يغشاها غضب صامت موجهة للسعودية والحوثيين، في حين ما قيل على أنه تنسيق عسكري لمواجهة الحوثيين غير مقنع البتة."
ويشير السقلدي إلى أن "التنسيق العسكري لا بد أن يكون عبر الحكومة ومجلس الرئاسة، وليس بمعزلٍ عن الشركاء الآخرين"، "لن يُكتب له النجاح"، مضيفًا، "انعكاس اللقاء على الجانب السياسي مرهون بالدور الذي سيُتاح لهما بعد التوافق والتوقيع على التسوية السياسية التي لا شك أنها ستستند على محددات ما اتفقت عليه الرياض وصنعاء في مسقط."
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news