هناك الكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية مازالت بانتظار محمد سالم باهيصمي.. فقد أخبرتني أكثر من مرة بأنك ستستعيد صحتك وستكمل المشوار العظيم الذي بدأته وحيداً وبلا دعم.
الكثير من الأدباء والمثقفين مازالوا بانتظار اتصال من رئيس المنتدى، الشاعر محمد سالم الباهيصمي، لإدارة ندوة فكرية ثقافية أو لتكريم مبدع، لا يمتلك وساطة عند الجهات الرسمية. الكثيرون يا باهيصمي، كان لديهم منزلين في عدن، منزل الأسرة والآخر منتدى الباهيصمي، فهل فعلاً غادرتنا؟!
عندما ألقيتُ عليك نظرة الوداع الأخيرة، وجدتُ وجهك مبتسماً؛ فقد كنتُ منتظرة أن اسمعك تنطق جملتك الترحيبية التي أعتدت سماعها منك ، عند كل زيارة لأسرتك.
طال انتظاري أمامك، لكن وجهك ظل مبتسماً ومستبشراً بما أنت قادم عليه أيها المعلم، لقد أضأت دروب الكثير من الأدباء والمثقفين في حياتهم، بعد أن كانت مظلمة بفعل التهميش ولذلك وجدتَ طريقك إلى ربك منيراً.
أنا واحدة من الأسماء التي وجدت عندك التكريم اللائق، بعد سنوات من العمل الصحفي والإعلامي المرهق، لذا جلستُ أمامك في لحظة الوداع الأخير، تحدثتُ إليك بالكلمات والدموع، وألم الفراق يعتصر قلبي الموجوع.
لحظات استرجعتُ فيها أحاديثنا.. تذكرتُ كلماتك يوم عرفتَ بأن أحد الأشخاص في مكتب الثقافة، أسقط إسمي، عمداً، من كشوف المكرّمين في مديرية المنصورة، كنتُ أنا حينها موجوعة؛ فوجدت كلماتك بلسماً لروحي وأنت تقول لي: "أنا من سيكرمك بالطريقة التي تليق بك وسأمنحك الدرع والشهادة وامتيازات لا يستطيع ذلك الحاقد أن يمنحك اياها".
أتذكر حفل التكريم الذي أقمته لي وحضره نخبة من كبار المثقفين والأكاديميين.
أتذكر زيارتي الأخيرة في مرضك، واسئلتك عن الناس، عن أشخاص كانوا من رواد المنتدى وأصبحوا اليوم مسؤولين وقادة ووزراء ومدراء مديريات.
كيف لا أبكيك وأنت من قدمتَ العون لكل من احتاج لك، وكيف كنتَ، دائماً، السبّاق لاصطحابهم بسيارتك للعلاج والمتابعة، وقدمت جل عمرك في خدمة الوطن وفي جبهتين متعارضتين؛ فكنت الرجل العسكري الحازم وفي ذات الوقت، الإنسان الرقيق في مشاعره الفياضة شعراً.
أتذكر كيف تنصّل عنك البعض في مرضك، عندما كنتَ في أشد احتياجك إليه، بعد ربنا، لكن كان هناك رجلاً صادقاً ومخلصاً يسأل عنك وعن وضعك الصحي، إنه الاستاذ الفاضل علي عبدالله الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي لم يبخل عنك بالدعم المادي و بالسؤال عنك، إدراكاً منه بقيمتك الأدبية وبأهمية منتداك في الساحة الثقافية الجنوبية.
وأتذكر عندما قلت لي ذات مرة: "سيكتب لي الله الشفاء والصحة وسأعود لتنظيم الندوات واستضافة المبدعين والمثقفين وتكريم من يستحق التكريم".
قلت لي أيضاً بأنك لا تمتلك المال ولكنك قادر على احتضان المبدعين في المنتدى وتكريمهم كما يجب، حينها أخبرتك بأن أسماء ثلاثة أساتذة ومن كبار المثقفين، د. مبارك سالمين والأستاذ أحمد السعدي وأنت الشاعر ورئيس المنتدى، محمد سالم باهيصمي التي تزين شهادات التكريم، فإن ذلك أكبر وسام للمبدعدين.
اليوم، الحزن يخيم على المنتدى.. عدن كلها حزينة لرحيلك، لقد فقدتْ أحد القناديل التي أضاءت ليلها المُعتم لسنوات.
هل تعلم..
لقد انتشر خبر وفاتك، وتناقلت وسائل الإعلام سيرتك العطرة وسيحضر الكثيرون للقيام بواجب العزاء لأبنائك وأسرتك وسيتحدثون كثيراً عن مناقبك وصفاتك وعلاقتهم بك، وسيكون من بينهم أشخاص، كنت أنت تسأل عنهم في فترة مرضك ولم يكلف أحد منهم نفسه مجرد السؤال عليك.
لكن، (لا يهم) .. لقد قلتها وأنت ماتزال بين ظهرانينا ونقولها لهم وقد رحلت عنا جسداً وبقيت خالداً في أرواحنا.
نم قرير العين؛ فقد رأيتُ وجهك المبتسم وكأنك تقول لهم: "أنا بخير، لأنني لم أركم في محياي ومرضي".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news