سبتمبر نت/ تقرير – توفيق الحاج
تنبع عظمة ثورة 26سبتمبر من عظمة أهدافها التي ترفع من قيمة الانسان اليمني وتحفظ له كيانه وهويته وكرامته ومن غايتها النبيلة والتضحيات الجسيمة التي قدمها الاحرار في سبيل الانعتاق من رق الاستبداد والعبودية والتحرر من الخرافة والجهل.
إن اللحظة التي نعيشها تحتم علينا استلهام ملاحم سبتمبر ومواقف الثوار الاحرار وبطولاتهم كما يلزمنا الواقع إعادة قراءة مضامين أهداف الثورة الستة وتدبر ما تحمله من معان سامية ودلالات عميقة لكشف جزء بسيط من فصول ثورة عظيمة خالدة أنقذت شعبا وأحيت أمة في جنوب جزيرة العرب، بعد أن دخل اليمن في عزلة وغيبوبة قسرية قرابة ألف سنة، منذ وطئ أرضه طاغية بعمامة رجل دين اسمه يحيى بن الحسين القاسم الرسي قادماً من جبل الرس.
لقد أعلن ثور 26 سبتمبر ستة أهداف للثورة، ودونت هذه الاهداف في المنهج الدراسي وفي ترويسة الصحف والمجلات وانبثق منها دستور الجمهورية اليمنية وتشربت الاجيال مضامينها ومفاهيمها وقدمت أرواحا زكية قرابين لحمايتها والدفاع عنها وارتوت الارض اليمنية بالدم من اجل تحقيقها ولذلك هي محروسة بالدم ومحمية بالأرواح الطاهرة وراسخة في الوعي اليمني وتتجذر في الاعماق كلما تعرضت للتشويه والاستهداف او محاولة طمسها أو بتر جزء منها.. فما الذي تعنيه هذه الاهداف؟ وما الذي ترمي اليه؟ ولماذا جاء ترتيبها بهذه الطريقة والتسلسل؟
الهدف الأول:
(التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات).
بالوقوف على مفردات ومضامين هذا الهدف والذي هو أول أهداف الثورة نجده يتكون من ثلاث جزئيات بالغة الأهمية ودقيقة التركيز وعميقة الدلالة وقد ركز الهدف الأول على زوال الاستبداد والاستعمار والتحرر منهما وعلى قيام الحكم الجمهوري الديمقراطي العادل واكتساب المشروعية والشرعية من الجماهير الشعبية المتطلعة الى الحرية وهو ما تطلق عليه المفاهيم السياسية “الشرعية الثورية”.. فليست الشرعية هي الآتية من الميراث الأبوي كما هو حال الإمامة والسلالة التي تدعي الحق الالهي في الحكم والسلطة لأن التوارث للحكم محرم إسلامياً لأن البشر غير القطيع والأثاث فلا يحكمهم إلا من ارتضوه أو نال بيعة من أعيان لا يقبلون بيع عينيتهم و ضمائرهم، وكذلك الانتخاب الحزبي فإنه إذا لم تتوفر الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والرقابة المجتمعية أقبل للتغرير واسهل للتزوير.
أما الثورة فإرادة أمَّة جمعت بين الشعبية والشرعية لأنها لا تحدث إلا عن حس وطني وشعور مجتمعي عميق بضرورة وحتمية اقتلاع الفساد وقيام نقيضه.. ولم يكتف الهدف الأول بالنص على قيام الحكم الجمهوري بلا صفة بل وصفه بالعادل الذي يتساوى في ظله كل المواطنين في الحق والواجب وتكافؤ الفرص وكلمة (العادل) مثقلة الدلالات مليئة بالتفسيرات فهي إشارة إلى الخلفية الزمنية في العهد الإمامي الكهنوتي حيث كان التمييز للأقليات والبيوت التي توارثت الامتياز وهي إشارة إلى الظلم السائد في تلك الحقبة وهو ظلم ممنهج ومقنن بمعنى إن الحاكم هو الظالم وآلية حكمه ظالمة واتباعه وأعوانه ظلمة.. والظلم متعدد الاشكال وكلها كانت تمارس برضى واطلاع الحاكم وبأمر منه.. لهذا اختتم الهدف الأول نصه بتبني إزالة الفوارق بين طبقات المجتمع فقد كان القاضي يظل قاضياً أباً عن جد وكان “العامل” مدير المنطقة يرث هذا العمل عن أبيه عن جده ولا يختلف إلا الانتقال من منطقة إلى أخرى أو من مستوى وظيفي إلى مثله وكان التعليم والصحة محصورا لعدد محدد من الاسر والشخصيات وهذا أعلى درجات الظلم والقهر والاستبداد ان يحرم الانسان من حقه في التعليم ومن حقه في الرعاية الصحية ومن حقه في الحكم والادارة ونيل الحقوق.
عمود الجمهورية
إن الهدف الاول من الاهداف الستة يشكل رأس حربة وعمود بناء الجمهورية لا يمكن القفز الي الهدف الثاني والثالث مالم يتحقق الاول وبالنظر الى مفردات الهدف نجد انها دقيقة ومركزة ففي الكلمات الثلاث الاولى يكمن حلم كل انسان على هذه الارض التحرر (الحرية) رفض الاستبداد والاستعمار وهذه هي الفطرة التي جبل عليها الانسان وبالتالي فالهدف الاول يلبي الفطرة السليمة وينسجم مع التوجه الكوني والسنة الالهية أما كلمة الاستبداد والاستعمار فالأولى تعني الظلم من الداخل والثانية تعني الظلم من الخارج وقد جمعت اللفظتين ودلالتهما في شخصية واحدة في (الاسرة الامامية) وان كان الثوار يريدون من خلال ذلك التحرر من الاستبداد(الامامة) في الشمال والاستعمار (الاحتلال البريطاني)في جنوب الوطن وهو ما تم إلا ان المفردتين جمعت في إن واحد في أسرة واحدة.. فلقد جاء الرسي ووطأ أرض اليمن معتقاً بأفكار دينية شديدة التطرف والعداء ومنح نفسه لقب “الهادي إلى الحق” -تماماً كما يفعل الطغاة في كل العصور- وعُرِفَ لاحقاً بلقب “الإمام الهادي” رغم أنه خاض 45 حرباً ضد قبائل شمال اليمن لمخالفتها له في الرأي، وصلب الرجال على جذوع الشجر في مناطق بني الحارث وجدر حتى استأذنت النساء لدفنهم لأن روائح جثثهم آذت القرى المجاورة!
توالدت سلالة الأئمة وزادت وحشيتهم في الدفاع عن حقهم الإلهي في الحكم، وتطرفت افكارهم التي لا تقبل بالآخر ولا تعترف به ولا تتعايش معه، ويسيرون على وتيرة واحدة من الرسي إلى عبد الله بن حمزة الذي أباد طائفة المطرّفية جميعاً لمخالفتها له في الرأي وكفر الأيوبيين، إلى الإمام يحيى الذي حكم حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرين وقتل أبناء قبيلة الزرانيق التهامية المشهورة بالقوة والشجاعة حتى تخضع لحكمه وقاد وارسل الحملات على مخاليف تعز وإب وريمة والبيضاء.
نسق استبدادي
ومنذ2014م أطلت الامامة الجديدة بقرونها من جديد باسم (الحوثيين) وعاد الظلم والبطش والاستبداد والدعوة إلى الحكم تحت راية البطنين وآل البيت، والسير على خطى الرسي وابنائه في قتل الخصوم وتفجير الدور وارسال الحملات وفتح السجون ومعاداة منابع التنوير من مدارس وجامعات ومساجد، واعتبارها خصم لدود، وحيثما حل التنظيم الارهابي الحوثي السلالي فجّر المدارس والمساجد وعسكر الجامعات، ورأى في المتعلمين ودعاة الحرية أعداء وجب قتلهم والتنكيل بهم.
هذا النسق الاستبدادي والاستعلائي المتوارث كان يشيخ بمرور السنوات في مقابل ارتفاع الوعي عند الناس، وحين جاءت ثورة سبتمبر المجيدة طوت صفحة عمرها ألف سنة من الظلم والتنكيل والتجهيل للشعب اليمني، ومنحت المواطن دفعات معنوية كبيرة من الحرية والشعور بقيمته، فتحول من متفرج على عربات التاريخ وهي تتنقل بين قصور الحكم، إلى صانع للتحول ومدافع شرس عن ثورة منحته حقه في البقاء والعيش الكريم.
عودة مستحيلة
إن تقييمنا وقراءتنا لهدف الثورة الأول من خلال الواقع الذي نعيشه وبعد مرور 61عاما على قيام الجمهورية هو إننا تحررنا من الاستعمار شكليا بصورة كلية تقريبا، بينما لا زلنا في المضمون رهن الإمبريالية العالمية إلى حد كبير؛ أما الشطر الثاني من الهدف المتمثل في “إقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”، فما تحقق منه هو الحكم الجمهوري، جمهوريا في شكله ومظهره، إماميا في باطنه وجوهره، بدليل عودة الإمامة اليوم بعد مضي ما يزيد عن خمسين عاما على اقتلاعها، صحيح أن تمكنها مرة أخرى كما كانت سابقا من سابع المستحيلات، لكن أن تظهر اليوم ومن وكرها التاريخي “صعدة” ثم تمتد إلى بقية أنحاء اليمن، فهذه هي الطامة الكبرى، وهذا هو الذي لم يتنبه له ثوار 26 سبتمبر 1962م. ومن بعدهم الجيل الوارث واحفاد الثوار وكافة أحرار اليمن رغم حصولهم على نسبة كبيرة من التعليم والوعي والاستمتاع بنعيم الجمهورية وسماعهم او اطلاعهم على معاناة آبائهم واجدادهم خلال فترة الحكم الكهنوتي الاستبدادي.
إن المحاولات البائسة التي تسعى الإمامة من خلالها للعودة بشكلها القبيح للتحكم برقاب اليمنيين هو إخفاق يتحمل وزره الأكبر أحفاد سبتمبر لأن إنسانيتهم أفضت إلى السذاجة المفرطة، وكان يجب أن يكونوا أكثر يقظة وحذر وألا يقعوا في فخ الانسانية الذي وقع فيه آبائهم الثوار الذين تراجعوا عن هدف تطهير كل ما يتعلق بالإمامة وكان يجب أن يرفعوا شعار: “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس” ولهذا دفع الثوار احرار سبتمبر ومن ورائهم كل اليمنيين الثمن باهظا من خلال حرب استمرت اكثر من ثمان سنوات تلتها عشرات المؤامرات والمكائد الامامية الكهنوتية ولا يزال اليمنيون يدفعون الثمن دما وارواحا إلى اليوم.. فالإمامة حقها الفناء والاستئصال التام لا التسامح والتصالح قطعا، وبحسب استطلاعات ودراسات فإن الدرس الأخير الذي تعلمه اليمنيون درس وتجربة مرة لألف عام قادمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news