يمن ديلي نيوز:
ضمن النقاشات التي يجريها “يمن ديلي نيوز” مع الكتاب والباحثين والسياسيين حول ثورة 26 سبتمبر في عيدها الثاني والستين، وأسباب وعوامل تسلل الامامة مجددا إلى قلب الجمهورية نطرح هذه التساؤلات على أحد أبرز الكتاب والصحفيين اليمنيين الذين سخروا كتاباتهم ونشاطهم الاعلامي في سبيل التوعية من خطر عودة الامامة ممثلة في جماعة الحوثي المصنفة إرهابيا.
إنه الكاتب والصحفي “سام الغباري” المستشار الاعلامي السابق لرئيس الوزراء وأحد أوائل الصحفيين اليمنيين الذين زجت بهم جماعة الحوثي في سجونها منذ وقت مبكر، حيث اقتادته الجماعة إلى سجونها بمحافظة ذمار في التاسع من فبراير/شباط من العام 2015 بعد سلسلة تهديدات ومضايقات وصلت حد الاعتداء على محلات والده التجارية وإغلاقها بسبب كتاباته الناقدة للحوثيين في عدد من الصحف المحلية والعربية.
للكاتب “الغباري” العديد من الاصدارات منها رواية “الخوثي نقطة فوق الحاء” وكتاب “صنعاء قبل قليل” الذي يتناول فيه رصدًا أدبيًا وشاعريًا راقيًا عن صنعاء وويلات الحرب في كل اليمن، وكتاب “اليمن بلدي أنا” ويوثق باكرًا الحرب الدائرة في اليمن، إضافة إلى كتاب “القبيلة الهاشمية.. ألف عام من الدم” والعديد من الاصدارات.
في هذه السطور يناقش “يمن ديلي نيوز” مع الكاتب “الغباري” ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بعوامل سقوط صنعاء مجددا بيد الامامة، ودور عدم تحصين الثورة ثقافيا في سقوطها، ووسائل حماية الثورة والجمهورية حاليا في عقول الأجيال، حيث عبر الغباري عن شكره لـ”يمن ديلي نيوز” على إثارة هذا النقاش الذي وصفه بـ”المهم”.
كيف تسللت
يقول الكاتب “الغباري” ردا على الأسباب التي أدت إلى تسلل الامامة مجددا إلى قلب الجمهورية بعد عقود على ثورة 26 إن “الإمامة لم تختفِ أبدًا من المشهد السياسي والاجتماعي في اليمن؛ لقد اختبأت في ثنايا الزوايا المظلمة للذاكرة الجماعية، تسللت من خلال الطائفية والجهل والفقر، وانتظرت اللحظة المناسبة للعودة”.
وأضاف: كانت الإمامة أشبه بفيروس كامِن، يستغل أي ضعف في جسد الأمة ليظهر مجددًا. بعد عقود من ثورة 26 سبتمبر، استغلت الإمامة غياب الدولة، التهميش الاجتماعي، وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة التي لم تبنِ نظامًا جمهورياً قويًا يستوعب الجميع ويؤسس للعدالة والمساواة.
وقال: لقد دخلت الإمامة عبر بوابة الخداع الديني والسياسي، حيث استغلت الحالة الاقتصادية السيئة، والتجهيل المتعمد الذي مارسته ضد الشعب، وعادت بعباءة جديدة تحمل شعارات الثورة بينما في جوهرها تسعى لإعادة زمن الكهنوت وظلام العصور الماضية.
عدة عوامل
وردا على سؤال حول العوامل التي ساعدت الإماميين على الانقلاب على الجمهورية تحدث الكاتب “الغباري” عن أربعة عوامل أسهمت في ذلك، أولاها المذهبية، حيث استخدم الإماميون المذهبية العنصرية كأداة لإثارة الانقسامات في صفوف الشعب، وأعادوا إحياء النزعات العنصرية والاستعلاء السلالي ليبرروا سيطرتهم السياسية والعسكرية.
العامل الثاني – يقول الغباري – الضعف الاقتصادي، حيث استغل الإماميون ضعف الاقتصاد اليمني والانقسامات الاجتماعية لتمرير أفكارهم وتجنيد الناس تحت شعارات كاذبة ووعود بالرخاء والعدالة.
إضافة ذلك يتحدث “الغباري” عن عامل ثالث يتمثل في غياب الدولة، إذ تآكلت مؤسسات الدولة وتفككت بعد عقود من الفساد وسوء الإدارة ماجعل الأرض خصبة لعودة القوى التقليدية التي تغذيها أطماع شخصية وتوجهات رجعية.
والعامل الرابع الذي ألذي ساعد الامامة يتمثل في الدعم الخارجي، حيث يقول الغباري إن “الجماعات الإمامية تلقت دعماً سياسياً وعسكرياً من قوى إقليمية ودولية تسعى لإبقاء اليمن في حالة من الضعف والانقسام، كما رأينا في الدعم الإيراني السافر للحوثيين”.
تحصين الثورة
لماذا لم تعمل القوى الجمهورية بعد ثورة 26 سبتمبر على تحصينها وحمايتها بالمناهج والإعلام والتوعية؟ يسأل “يمن ديلي نيوز” الكاتب الغباري، فيجيب: الخلل كان في الاستمرارية والرؤية البعيدة. بعد ثورة 26 سبتمبر، كان يجب على القيادات الجمهورية أن ترسخ مبادئ الثورة في عقول الأجيال الجديدة عبر المناهج التعليمية، وتشكيل إعلام وطني قوي يعزز الهوية الجمهورية، ويكشف زيف الادعاءات الإمامية.
وأعرب عن أسفه أن القوى الجمهورية انشغلت بالصراعات الداخلية على السلطة، وتجاهلت البناء الفكري والثقافي الذي يُعد الحصن الأول ضد أي عودة للإمامة.
وأردف: فشلت الأنظمة المتعاقبة في خلق وعي جمهوري مستدام ينير عقول الأجيال ويدافع عن مبادئ الثورة، بل تعاملت مع الجمهورية كمنجز سياسي لا يحتاج إلى حماية مستمرة.
وقال إن هذا التراخي أدى إلى تآكل المفاهيم الجمهورية في نفوس الشعب، وسمح للإماميين بالتغلغل من جديد في الفكر والوجدان عبر قنوات إعلامية ودينية ومجتمعية تسعى إلى إعادة تشكيل العقول وفقًا لمشروعها الكهنوتي.
حماية التضحيات
وردا على سؤال حول وجهة نظره في حماية تضحيات الجمهوريين حاليًا وحماية الجمهورية وثورة 26 سبتمبر قال “الغباري”: لحماية الجمهورية وثورة 26 سبتمبر من خطر العودة إلى الماضي الكهنوتي، يجب أن نبدأ بحرب شاملة على جميع الأصعدة، فكرية، عسكرية، وسياسية، وهذه بعض النصائح الأساسية:
– إعادة بناء الهوية الوطنية: يجب التركيز على إعادة بناء الهوية الوطنية اليمنية وتدريس تاريخ الثورة بشكل عميق في المناهج التعليمية، ليس فقط كأحداث ماضية بل كقيم يجب أن تُترجم إلى سلوك وطني يومي.
– إعلام جمهوري قوي: لا بد من تأسيس إعلام حر وقوي يدعم قيم الجمهورية وينشر الوعي بخطورة المشاريع الإمامية. إعلام يتحدث بلغة الناس، يكشف أكاذيب الإماميين ويعري مشروعهم الطائفي الذي لا يخدم إلا مصالح فئة قليلة على حساب الوطن بأسره.
– الوحدة بين القوى الوطنية: يجب على القوى الجمهورية أن تتجاوز خلافاتها وتوحد صفوفها لمواجهة العدو المشترك. هذه المرحلة تتطلب شجاعة لتقديم التنازلات والتعاون من أجل مصلحة اليمن بعيدًا عن الحسابات الضيقة.
– تجفيف منابع الإمامة: يجب مواجهة أي دعم مالي أو لوجستي للإماميين، سواء من الداخل أو الخارج. لا بد من محاربة الفساد داخل صفوف الجيش والمؤسسات الحكومية، والضرب بيد من حديد على كل من يتواطأ مع هذا المشروع الرجعي.
– التوعية الشعبية: يجب تكثيف الجهود في نشر الوعي بين الناس، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتثقيف، وإنشاء برامج تدريبية وورش عمل تستهدف الشباب لتعزيز القيم الجمهورية في نفوسهم.
– تعزيز القوى المسلحة: دعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بكافة الوسائل الممكنة، والعمل على بناء جيش وطني حقيقي يتجاوز الولاءات المناطقية والقبلية، ويحمل ولاءه للجمهورية اليمنية فقط.
– فضح التحالفات الخارجية: توعية الشعب بحقيقة التحالفات الخارجية التي تدعم المشروع الإمامي، وكشف الأطماع الإقليمية والدولية التي تسعى لإبقاء اليمن في حالة ضعف وانقسام.
لاتقبل المساومة
الكاتب الغباري في حديث لـ”يمن ديلي نيوز” قال: في نهاية المطاف، حماية الجمهورية وثورة 26 سبتمبر هي معركة لا تقبل المساومة. هي معركة وجود، وعلينا جميعًا، كجمهوريين، أن نكون في خط الدفاع الأول عن تضحيات الشهداء وعن قيم الحرية والمساواة التي دفع من أجلها اليمنيون أغلى ما لديهم.
وأضاف: كل قطرة دم سفكت في سبيل الجمهورية، كل تضحية بذلت، يجب أن تُخلّد كحكاية نضال مستمر، لأننا إن تهاونّا، فإننا نهدي تاريخنا ومستقبلنا إلى أولئك الذين يسعون لإعادتنا إلى ظلام الماضي الكهنوتي.
وأعرب الكاتب “الغباري” عن شكره لـ”يمن ديلي نيوز” لإثارته “هذا النقاش المهم. مؤملا أن “نكون في مستوى المسؤولية التي ورثناها من آبائنا الثوار وأجدادنا الذين حلموا بوطن لا مكان فيه للاستبداد أو الطغيان.َ”
مرتبط
الوسوم
منع الاحتفال بثورة 26 سبتمبر
الاحتفاء بثورة 26 سبتمبر
العيد 62 لثورة 26 سبتمبر
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news