مشاهد انطباعية من أغنية (مسعود هجر) للشاعر الدكتور سلطان الصريمي

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 38 مشاهده       تفاصيل الخبر
مشاهد انطباعية من أغنية (مسعود هجر) للشاعر الدكتور سلطان الصريمي

غناء عبدالباسط عبسي

مدخل:

إذا كان رواة الشعر العربي هم من يذيعون صيت الشاعر ويملؤن الفيافي والقفار من اصدائه؛ فإن الفنان في عصرنا الحديث هو من يشهر الشاعر، ويذيع صيته وصوته عذابا في العذوبة، وحرقة في احتراقات الشوق، وحنينا ممتعا لملاعب الصبا، ونيرانًا تتوهج في بينات الهجر والنوى، ويغدو اللحن عزفا كونيًا على أوتار الحياة.

الشاعر الدكتور سلطان الصريمي، بدأت شهرته الغنائية بإغنية مسعود هجر التي اطلق عليها الزميل محمد عبدالوهاب الشيباني إنجيل نساء الريف، وزادت شهرته اشهارًا ملحمة نشوان بصوت المرشدي، ومن هنا بدأت الأنظار تتجه نحو التصنيف السياسي للأغنية اليمنية بثنائيتها (الصريمي، وعبدالباسط عبسي).

لعبت الثنائيات الفنية والشعرية دورًا بارزًا في اتساع شهرة كل من الفنان والشاعر بنسب متفاوته .. ولكنها لم تشكل ظاهرة فنيه متفردة إلا في حدود التعاون المشترك بين الفنان والشاعر، ولم يحدث أن استفرد أيًا من الشعراء بفنان واحد ووحيد.

المشاهد الانطباعية:

أغنية مسعود هجر للشاعر الدكتور سلطان الصريمي وغناء الفنان المتميز عبدالباسط عبسي، توثق مرحلة تاريخية تتداخل أبعادها الإجتماعية بالاقتصادية بالصحية في مستوييها (العضوي والنفسي) وكذا بالبعد الأخلاقي، حيث لا يستطيع المرء ان يفصل بين هذه الأبعاد المتداخلة تداخلاً بناء حسب قوانين التداخل الموجي البناء في الفيزياء.

القصيدة / الأغنية من وجهة قراءتي الانطباعية تتكون من سبعة مشاهد تحتوى  على ثلاث صور  تشكل الصورة  الأصل اطارًا مرجعيًا لها. وتأتي بقية الصور كظلال لها.

صور الواقع البيئي المحيط تتنامى باطراد وتتفاعل شعريًا مع الصدق العاطفي الذي يتصاعد إلى أعلى.

المشهد الأول (الإطار العام):

تحدد ملاح هذا المشهد تلاث صور الأولى صورة زوجة مسعود ، اما بقية الصور فإنها تشكل ظلالا لهذه الصورة بسكونية وسكوتية بقائها معلقة بين ارضية الواقع وسماوات الأحلام مثل صورة عمة زوجة مسعود وصورة ابنها محمد حديث الولادة.

هذا المشهد المتحرك دلاليًا وجماليًا مأساويًا، تنقصه صورة البشير الذي  سينقل البشاره لمسعود بأنه رزق بمولود في العام الأول من زواجه.

وعمتي منو شيقول لمسعود

منو شيقول لمسعود

بعامنا الأول رزقنا مولود

يحس القارئ أن خلفية هذا المشهد قد لونها الهجر ومازجت المصائب هذا اللون بلون آخر متصل بطول البعد.

مسعود هجر وخلف المصائب

وخلف المصائب

وخلف المصائب

والبعد طال وزادت المتاعب..

يتحرك هذا المشهد دلاليًا بين يدي لحظات الوداع، الملون باصفرار الحزن، وامتزاج ذبول الوعد في ذلك الأفق الذي سيمتد غيابًا لسنة واحدة.. حسب الوعد الذي قطعه مسعود لزوجته لحظتئذ.

تتحرك في المشهد دلالة لونية اخرى هي دلالة الفؤاد الموجوع في لحظات الفراق.

تصبغ البيئة المحيطة هذا المشهد بالوانها المأخوذة منها، كلون الحنا المتناظر مع احمرار الخد، ومن ثمة نرى المشهد لا يسقط في لحظات الوداع هذه صورة الزفة واليد المشابكة باليد الأخرى (العريس والعروس) كعادة متبعة في الزفاف ولكنه سيحملها معه وسيجعلها ذكرى دائمة له.

من قلة المصروف وكثرة الدين

بكر مسافر فجر يوم الاثنين

وقت الوداع سلم.. وقال: مودع

لا تحزني شاشقي سنه وشرجع

شفارقك بعد الزواج بأسبوع

العين تدمع والفؤاد موجوع

شتذكر الحناء وحمرة الخد

شتذكر الزفه واليد باليد..

المشهد الثالث مشهد النسيان:

يمثل هذا المشهد النسيان (الوجودي والتذكري) مع انه حُدد باليوم (الزمن الحاضر) إلا أن الغياب صار ممتدًا ومع هذا الامتداد صوره صورة المكتوب، وصورة الصدارة التي كانت تصاحب المكتوب (الجواب= الرسالة). وصورة الحبيب غير الموجود.

أما الصورة الشعرية لوعود الخل (الزوج) فلم تكن سوى خسارة متكاملة  في كل شيء بالنسبة لزوجة مسعود.

السنون تتحرك خلال هذا المشهد ومما يزيد المشهد غموضًا هو عدم تحديد المكان الذي يتواجد فيه الحبيب، وكأن العالم صار في صورة العدم.

واليوم لا مكتوب ولا صدارة

وعود خلي كلها خسارة

مرت سنين والقلب مسكين الدود

محد درى أين الحبيب موجود؟؟

نصغي في هذا المشهد إلى زوجة مسعود وهي تتحدث عن حالها..  شبابها قبل الزواج، وكيف أصبح بعد عام من الزواج.. وعلاقتها بابنها الذي لم ير والده ولم تلق من يزف إليه بشارة مجيئه.

المشهد الرابع مشهد الحال عمل المرأة:

تظل في هذا المشهد

صورة العمة في صورتها الأولى معلقة على جدار السكوت، مع ان هذا المشهد يتحرك نحو التغيير ، اذ تبدو صوره شباب زوجة مسعود قد فقدت نظارة لونها وحيوية نشاطها، كما تبدو صورة الزمان عبارة عن ليال طال بها الامتداد

.

صور أخرى تظهر في هذا المشهد، العمل الشاق مع الآخرين، تناول القليل من الغذاء، ظهور (البسل) الكلف الذي يخيم على الوجه بسواد لونه في أثناء التعرض اليومي للشمس ولفترات طويلة.

العمة لا تجيب، رغم أن زوجة مسعود تحاول أن تثير في مسمعها احاسيس الأم التي تضحي بنفسها في سبيل ابنها الوحيد.

ربما لو كان هذ الاستعطاف للصخر فقد يلين قلبه الاّ اننا نجد أن هذه العمة متمادية في غي سكوتها.

وقد يكون لهذا السكوت المتمادي مبرراته.. كأن تكون الأم قد نالها النصيب الأكبر من هجر الزوج (أبو مسعود) وأيضًا فراق مسعود الذي ذهب بعد زواجه مضطرًا بسبب تراكم الديون.

الصور تتابع في هذا المشهد بقبحه المعنوي الماثل أمامنا في عرض الحال الذي وصلت اليه زوجة مسعود وابنها، وبجماله الشعري الذي يصور صدق العاطفة التي التقطت هذا المشهد.

هذه الصور المركبة، هي صورة الهلاك من الجوع الذي يبدو فيها الشخص عبارة عن هيكل عظمي، وصورة انتهاء مخزون الحبوب، وصور المرض المفجع، وصوره ضعف النظر، وصورة الجراح التي تملي السواعد، كل هذه الصور عبارة عن صور مشوهة للصورة الاولى التي كانت باذخة الجمال بنظارة الوجه ونقش الحنا بالسواعد واحمرار  الخد،  وتأتي الصورة الاشمل التي تكثف كل تلك الصورة في صورة شعرية تتمثل بالصبر والجهاد غير المحدد زمنه.

وعمتي كيف البصر لحالي

ضاع الشباب وطالت الليالي

قوتي القليل من الشقاء مع الناس

البسل أكل وجهي وشيب الرأس

وعمتي ابني هلك من الجوع

الحب زلج واني مريض مفجوع

رك النظر وجرحوا السواعد

وكم شيكون صبري وكم شاجاهد

المشهد الخامس مشهد الضعف الانساني:

يتمثل هذا المشهد بالضعف العام الذي وصلت إليه زوجة مسعود، وهو عدم قدرتها القيام  بعمل أي شيء، هذا الضعف الذي صور المشهد السابق اسبابه، وجاء خاتمة لشهرين من المرض ظلت فيه في شبه عزله إجتماعية.

المشهد رغم ماسأويته، المضمرة في الشكوى، كتنفيس عما في النفس، إلا أن العبارة الأخيرة أظهرت الجهة التي اضمرتها الشكوى.. 

حين شعرت زوجة مسعود بان هذا الاضمار  هو بمثابة ذنب ارتكبته بالافصاح عنه، توجهت بالدعاء (يارب تسامح الذي بلاني)..

كدلالة تشير إلى أن زوجة مسعود التي أدركت مقدار ظلمها لنفسها بتلك الشكوى؛ توجهت بالدعاء إلى الله أن يسامح من أوصلها إلى هذا البلاء الذي دفعها لتشكو حالها وكأنها تطلب المغفرة لها.

مقدرش عاد اشقي ولا اقدر اسأب

ولا اقدر اتمهر ولا اطحن الحب

شهرين مريض محد ظهر يراني

يارب تسامح الذي بلاني..

المشهد السادس العتاب والحرقة:

تتضح صورة العتاب المر بحرقته اللاذعة في هذا المشهد الذي تتوالى فيه صور حرقة بكاء الإبن في قلب امه، صورة تمني الموت كمنقذ يغمر الفقير بسعادته، والصورة الأكثر حرقة والمتمثلة بصورة الأب (مسعود) الذي نسى كل شيء جميل في حياتها التي نذرتها له وعاشت وفية لها وله ايضا، هذه الأشياء التي لا يمكن نسيان دلالتها والمتمثلة بصورة حناء الزفاف المتمازجة حد الانبهار بحمرة الخد.

في هذا المشهد تغيب كل المشاهد السابقة وتأتي الصورة الشعرية للوفاء لتطغى على ماسبق من المشاهد.. إنها صورة الوفاء والموت شاهدا على هذا الوفاء.

أحرقتني لا تبكي يامحمد

الموت افضل للفقير واسعد

ابوك نسى الحناء وحمرة الخد

واني الوفاء لحدي والموت يشهد

المشهد السابع الوصية:

الوصية من المشاهد المثيرة للخوف لدى الكثير، رغم أنها واجبة دينيًا، لكن زوجة مسعود أوصت ابنها الذي ظلت صورته ساكنه سكون عمتها، فهو رغم كل السنين ظل محتفظًا بصورته الأولية.. حيث نجد أنها تخاطبه (يابني).

اختزل المشهد هذه الصورة بمهمة واحدة ومحددة هي ان يكون الإبن شاهد حال (إن ابيه احرم إمه السعادة).

ولأن الوصية واجبة النتفيذ شرعًا وحتى لا يتحمل الابن تباعتها الأخلاقية على الاقل.. سامحت زوجه مسعود زوجها من أجل إبنها الوحيد الذي سيقف بين عاطفتي الأمومة و الابوة؛ لأن هذه الشهادة تتطلب الانحياز لجانب واحد فقط.. بعد أن التمست لأبيه العذر، أو القبر حيًا أو ميتًا.

وصيتي يابني تكون شهادة

لان ابوك احرمني السعادة

لكن مسامح قد يكون معذور

وربما هو الأخير مقبور.

خاتمة:

من خلال هذه المشاهد المتحركة دلاليًا والساكنة مكانيًا، نجد تداخل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية وغيرها تداخلاً بناء يترجم الواقع الذي تعيش زوجة مسعود.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الذي نكب حزب الله.. شاهد من هو المتورط في صفقة أجهزة البيجر في لبنان ولماذا اختفى في يوم التفجير؟

المشهد اليمني | 4599 قراءة 

اعلان روسي مفاجئ بشأن اليمن

يني يمن | 4315 قراءة 

من نتائج المباحثات في أبوظبي رفع علم الجمهورية اليمنية وإنزال علم الانفصال

وطن الغد | 3535 قراءة 

توجيهات رئاسيه لإقاله ثلاثة محافظين .. من هم ؟

نيوز لاين | 2761 قراءة 

اختطاف الكاتب الصحفي محمد دبوان المياحي بصنعاء وهذا آخر منشور له عن ”عبدالملك الحوثي”

المشهد اليمني | 2584 قراءة 

عاجل : في ظل تطورات غير مسبوقة .. إعتقال أبو رأس بصنعاء

كريتر سكاي | 2488 قراءة 

الداعية المصري خالد الجندي: أرفض وأحتج على أي شخص يقول إن النبي مات.. وهذه حقيقة ما حدث له

المشهد اليمني | 2374 قراءة 

برلماني في صنعاء يتوعد الحوثي بانفجار كبير

نافذة اليمن | 2256 قراءة 

تعقب التحقيق في أجهزة الاتصال المنفجرة في لبنان يقود الى هاتين الدولتين

يني يمن | 2129 قراءة 

نجل صالح أحمد علي يتسبب بهذا الأمر وسط صنعاء

كريتر سكاي | 2113 قراءة