الأسطورة والحكاية والسير الشعبية في شعر البردوني (قراءة انطباعية)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 45 مشاهده       تفاصيل الخبر
الأسطورة والحكاية والسير الشعبية في شعر البردوني (قراءة انطباعية)

الأسطورة كذاكرة بدائية للحياة الإنسانية ارتبطت بمفهوم الإنسان للحياة وصراعه مع القوى الطبيعية من براكين وعواصف وزلازل ورعد وبرق وغيرها من القوى الغيبية.

من هذا الارتباط سطر الإنسان معرفته الأولى بالحوادث التي تسببه هذه القوى الغيبية سماها البعض أساطير وأطلق عليها البعض خرافة، رغم الفرق الواضح بينهما كما يشير فراس السواح (فالأسطورة حلمٌ مبادر، دافع وخلاق تُشعِر الأسطورة الإنسان بوجوده، وتبرِّر له تقدُّم السيالة الزمنية)

والخرافة (حلم كابح مذعِن، يفرض التوقف ويبرِّره بمصادرات تتنافى مع تعريف الإنسان ككائن معرفة).

ومن هذا المنطلق  تناقلت الألسن هذه الأساطير التي ربطتها بالآلهة واشباهها.  و توالت الحكايات الشعبية وتكاثر عدد رواة الشعر الشعبي بكل فنونه واخذ الرقص والأناشيد ملامح هذه الحياة البشرية وتطور مع تطور اداوتها الزراعية والتجارية مشكلاً سماتها الثقافية.

اتخذ التوظيف الشعري الحديث للأسطورة وللحكاية والسير الشعبية مناح عدة منها اسقاطها على الواقع الشعري الحالي، استلهام الماضي. توظيفها كقناع يخفي شخصية الشاعر، كوسيلة يستطيع بها الشاعر أن يُعبّر عن أفكاره دون الحاجة إلى استخدام الألفاظ الواضحة المعنى.

فمع شعر المهجر ومدرسة أبولو. واتباع المدرسة الرومانسية والرمزية ومدرسة الشعر الحر، بدأت ملامح هذا التوظيف تشكل السمات الدلالية والرمزية لهذه الظاهرة.

في اليمن يعد البردوني من أبرز الشعراء الذين وظفوا الأسطورة والحكايات والسير الشعبية في أشعارهم.

إذ تمثل الأسطورة حضورها القوي في معظم قصائد دواوين البردوني،  وقد حطم الشاعر بهذا التوظيف مقولة أن الشعر العمودي غير قادر على توظيف الأسطورة توظيفا جيدًا …. على عكس الشعر الحر.

ومن هذه الأساطير التي تناولها البردوني في شعره هي (أوديب ،سيزيف، العنقاء ، السندباد، زرقاء اليمامه، عشتار، التنين)، وسنكتفي بالتطرق لبعضها.

أوديب:

هو ملك طيبة في الميثولوجيا الإغريقية، حقق النبوءة التي قالت أنه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه، وبالتالي يجلب الكارثة لمدينته وعائلته.

تعد شخصية أوديب الأسطورية من أكثر الشخصيات التي تطرق إليها الشعر العربي عمومًا والشعر اليمني خصوصًا. واطلق عليها علم النفس بعقده أوديب،  وقد أشار الشاعر عبدالله البردوني لهذه الأسطورة في أكثر من قصيدة.

ففي قصيدة الحقيقي من ديوان كائنات الشوق الآخر يقول البردوني:

ومِن حُبِّه قالوا: تزوَّجَ أمَّهُ

أأدعوه منذ الآن «أوديبْ» مشرقي

بودِّي أسمّيهِ، وأعيا لأنهُ

يجافي تقاليدي، فأطوي تَحَذْلُقي

الاستفهام الانكاري بـ هل (أسميه مشرقي) .. إسقاط أوديب الإغريقي على أدويب المشرق العربي الذي سلم بلاده للأعداء بعيدًا عن قيم المشرق العربي، اذ يحاول الشاعر أن يسميه ولكن هذه التسمية تصيبه بالإعياء.

أما في قصيدة اجتماع طارئ للحشرات من الديوان نفسه يصف البردوني  قرارات هذا الاجتماع بقوله:

قرّروا أن يمنعوا الأموات مِن

أن يشُبّوا في حشا الأرض اندفاعا

فأدانوا أمَّ «أوديب» كما

حدّدوا كُفّارةَ «النمرود» صاعا..

وأضافوا «ربذاتٍ» أربعاً

«لأبي ذرٍ» لينسى الابتداعا

البيت الثاني لم يشر صراحة إلى أسطورة أوديب، المعروفة، ولكنه أدان ـأم أوديب ليجعل القارئ يتحمل جهدًا إضافيًا في الوصول إلى معرفة أسباب الإدانة لأم أوديب واقعنا المعاصر. الذي يدين الضحية.

كما حمل النص دلالة أخرى للنمرود تشير إلى الحاكم العربي نمرود الحاضر.

أيضًا حدد الاجتماع الطارئ لحشرات القمم كفارة نمرود الحاضر (الحاكم العربي) الذي يحرق الأخضر واليابس من أحلام الوطن ناسًا ومرعى صاعًا من القمح أو الشعير يقدر ب 2.5 كجم.

أما الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري كرمز للمقاومة، فقد أضاف الاجتماع لمنفاه أربعة منافي أخرى.

سيزيف:

يوظف البردوني أسطورة سيزيف بقوله:

سيزيف نأء بصخر واحد

وأنا صخري جدار حديدي و غابات

هذا البيت الشعري بجعل الشاعر، القارئ يسقط معاناة سيزيف الإغريقي .. على معاناه سيزيف المواطن العربي عمومًا واليمني خصوصًا الذي يحمل صخرة معاشه اليومي صعودًا إلى ذروة الأمان الغذائي والأمان الاجتماعي، وفجأة تتدحرج هذه الصخرة من جديد إلى قاع المعاناة اليومية للمواطن.

العنقاء:

طائر أسطوري بجناحين عملاقين يخرج إلى الحياة بعد الموت من رماده،.

وللعنقاء موقعها في شعر البردوني حيث نجده في قصيدة صحفي ووجه من التاريخ من ديوان رواغ المصابيح يقوله ساخرًا:

أتريد أُحيي منك موت جريدتي

وأزفُّ معجزةَ إلى قُرَّائي؟

سأقول ما (العنقاء) لغو خُرافةٍ

أمسيت أطبخ بيضة (العنقاءِ)

يطلب الصحفي بصوت الشاعر من التاريخ أن يبعث الحياة في جريدته..

أما عن القول بأن العنقاء محض خرافة و(أمسيت أطبخ بيضة العنقاء).. فهذه هي مؤشرات عالم التفكك من اليقين الثوري.

في قصيده مصارحة الليلة الأخيرة من ديوان ترجمة رملية لأعراس الغبار يقول البردوني:

أتدري كل متراس هنا

أعصى من العنقاء

يشير هذا البيت إلى أن متارس الشر أصبحت أكثر انبعاثًا وتجددًا من العنقاء.

السندباد:

السندباد كشاهد أسطوري على الرحيل الدائم نجده في شعر البردوني. ممتطيًا ظهر البحار:

السندباد أمتطى ظهر البحور

انا تأتي ونمضي على صدري المحيطات

يسقط الشاعر السندباد الأسطوري في رحليه الدائم الذي يجوب البحار والمحيطات ربما حقق بعض رغباته هنا أو هناك..  بالشاعر السندباد في حلمه الثوري الذي تجثم على صدره كل محيطات العالم.. والعواصف التي تتربص بثورته وعنفوانها.

الحكايات الشعبية:

الحكايات الشعبية وهي الوسيلة القصصية التي تحافظ على الإرث الثقافي كخلاصة للتجارب الإنسانية ومن هذه الحكايات التي سنتاولها (شهريار وشهرزاد، الأرض المحمولة فوق قرن ثور، القطران، الصفير في الأماكن المقفرة).

شهريار وشهرزاد:

شهريار الملك المتوحش الذي صير الصباح الذي ينهض من سرير نومه، حمامًا من دماء كل امرأه يتزوجها.

وشهرزاد تلك الآية الليلية التي جاءت لتقدم بحكاياتها العلاج النفسي لشهريار.. في ألف ليلة وليلة.

أشار البردوني في قصيدة اعتيادان من ديوان لعيني أم بلقيس يقول:

لم أكن «شهريار» لكن تمَادتْ

عِشرةٌ صوَّرَتكِ لي «شهرزادا»

كان حُبِّي لكِ اعتياداً وإلفاً

وسأنساكِ إلفةً واعتيادا

فقد أشار البردوني إلى أن الحكاية التي تلت ما بعد الثورة لم تكن بين  شهريار ألف ليله وليلة وشهرزادها.. فقد تمادت الحكايات مألوفة لكل منهما.. وكما كان عشق الثورة أليفًا ومعتادًا فإن نسيانه سيكون ألفة واعتيادًا.. إنها مفارقة مأساوية.

في قصيدة حكاية سنين. من ديوان مدينة الغد التي سرد فيها البردوني الكثير من أحداث السنوات الأولى للثورة، وقد استحضر البردوني شهرزاد في قوله:

(سَجِّل مكانكَ) وانبرى

التاريخُ يحتضنُ العِبارَهْ

وأطلَّ جوُّ لم تلدْ

أُمُّ الخيالاتِ انتظارَهْ

وهُناكَ أدركَ (شهرزاد)

الصُّبحُ، فارتقبتْ نهارَهْ

ماذا جرى يا (شهرزادُ)؟

تَضَاحَكي، يا لِلمَرارَهْ !

عشرون يوماً، وانثنى

الماضي، فردَّينا الإعارَهْ

سجل مكانك إشارة إلى الزبير الذي عاد إلى وطنه بعد غيابه عنه.. ولكنه استشهد في نهاية الأمر.

كما يستدعي البردوني السندباد مرة أخرى ليؤكد مسراخ وعودته في خمس من السنوات لا ليل لهن ولا صباح:

وسرى، وعادَ (السِّندبادُ)

ودربُهُ الدَّمُ، والنُّواحُ

خمسٌ من السَّنوات لا

ليلٌ لهُنَّ ولا صباحُ

يَبِسَتْ على السُّهدِ العيونُ

وأقعدَ الزَّمنَ الكِسَاحُ

كما استدعى البردوني شخصية شهرزاد وشهريار في قصيدة حكاية سباحة الرماد من ديوان مدينة الغد بقوله:

لم أكن «شهريار» لكن تمَادتْ

عِشرةٌ صوَّرَتكِ لي «شهرزادا»

فهو لم يكن شهريار ألف ليلة وليلة ولكن العِشرة

هي من صورتها له شهرزاد.

كما يربط البردوني السفر الحالم الذي يقذف الوطن إلى اللامراد إلى سفر آخر من رؤى السندباد في نفس القصيدة سباح الرماد بقوله:

يريد، ويمضي، الى لا مرادْ

يخوض إلى الوعد، موجَ الرمادْ

ويرمي سفينته للحريق

وتُنْشد أهدابُه: لا ارتدادْ

فيقذفه سفَرٌ حالمٌ

إلى سفرٍ، من رؤى (شهرزادْ)

ووديانه، في ضياع الضَّياع

وموعده، رحلة (السِّندبادْ)ِ

أما في حكاية أن الأرض فوق قرن ثور:

يقول البردوني مخاطبًا البسيطة (الأرض) التي تقول الأسطورة انها محمولة فوق قرن ثور مستفسرًا إياها ومقارنًا بها وجوده على هده الأرض:

أتحتك يا بسيطة قرن تور

قرون الدهر فوقي أين قرني

حكاية القطران:

للقطران حكاياته التي استخدمت كمؤشر لقياس الوعي الجمعي اليمني، وتستخدم كطلاء للحيوانات الجمال على وجه الخصوص، لعلاج بعض الامراض الجلدية كما تطلى بها جدران بعضن البيوت كتعويذه تمنع  الشياطين من دخول البيوت. وقد  استخدمت قطرات منها على الجباه  كتعويذة للفكر الحداثي،  وهنا نجد أن البردوني يخاطب اليمن بقوله:

سدى، تمنيّن من ماتت رغائبه

من طول ما أغتبق (القطران) واصطبحا

ويستطرد قائلا في قصيدة اخرى

أحشدُ (القطران):من أين أقبلَتْ؟

عفاريت كل البيد أدهى وأعندا

أمدّ لهم (شمس المعارف) كلها

يصبُّون لي مِن فلم (لورنس) مسردا…،.

شمس المعارف كتاب يستخدمه المشعوذون لتحضير الجن.. ومعالجة المس الشيطاني.. وجلب المحبة أو نشر العداوة بين الناس، وتأتي اشاره فلم لورنس لتشير إلى الأساليب الجديدة للغزاة.

الصفير في الوديان والأماكن المقفرة:

العفاريت في قصيدة أمين سر الزوابع من ديوان ترجمة رملية لأعراس الغبار و المستلهمة من الحكاية الشعبية التي تقول:

بأن الصفير في القفار يجلب الجن والعفاريت.. هي إشارة رمزية الأعداء المتربصين بالوطن:

هل أَصفرُ الآن؟ يأتي الجنّ أُسلمهم

نفسي، لكي يأكلوني مثل مَن أكلوا

ولكنه يستدرك بأنهم كانوا:

يقال: كانوا شياطيناً لهم خطرٌ

تطرَّفوا زمناً، كالناس واعتدلوا

فهل يعني هذا أن الجن لم يعودوا كما كانوا فقد تطرفوا زمنًا، وكالناس اعتدلوا..

الصفير فقط يأتي بعفاريت الجن في الأماكن المقفرة، أما جن العمالات المعاهدات والاتفاقيات فتاتي بها  العقول الحاكمة إلى الأماكن (الفراغ ) الذي يشتهي الامتلاء.

السير الشعبية:

السير نوع من أنواع الثقافة الشعبية اليمنية تتخذ من خيال السارد عالمًا لها

مثل سيرة بلقيس، سيف بن يزن أبو زيد العلالي عنترة بن شداد.. و سيرة وضاح اليمن التي سنتطرق قليلاً إليها بسبب ضيق الوقت.

السير الشعبية:

ويأتي توظيف السير الشعبية في الشعر، ليؤكد الارتباط الوثيق بالثقافة العربية وهي ظاهرة إبداعية تتعدى الأدب إلى نصوص أخرى.

تبدو سيرة وضاح اليمن. من أهم السير التي وردت في شعر البردوني وقد وردت  إشارات كثيرة لهذه الشخصية التي عانت الكثير في غربتها في سبيل حبها لروضة وبما أن البردوني لم يغترب كثيرا عن وطنه.. إلا أنه عاش اغتراب الوطن فيه واغترابه في الوطن. وقد جسد البردوني موت صنعاء داخل هذا الصندوق، ومع هذا الموت المجازي فإن العشق والفن لم يمت ومازالت تترقب صلح. بعثها الجديد ففي قصيدة ابي تمام وعروبته اليوم يقول البردوني:

«حبيبُ» وافيتُ من صنعاء يحملُني

نسرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العربُ

ماذا أُحدِّثُ عن صنعاءَ يا أَبَتِ

مليحةٌ عاشقَاها السِّلُّ والجَربُ

ماتتْ بصندوقِ «وضاحٍ» بلا ثمنٍ

ولم يمُتْ في حَشاها العشقُ والطَّربُ

كانت تُراقِبُ صُبحَ البعثِ فانبعثت

في الحُلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ

لكنَّها رُغم بُخلِ الغيث ما بَرِحَتْ

حُبلى وفي بَطنِها «قحطان» أو «كَرِبُ»

وفي أسى مُقلتيها يغتلي «يمنٌ»

ثانٍ كحُلم الصِّبا ينأى ويقترب

ومازالت هذه البلدان تتخطف وضاح اليمن- الكادر اليمني – وتستنزف طاقاته المتجددة حبًا وعطاء.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

انتشار ظاهرة خطيرة باوساط النساء في اليمن

مراقبون برس | 5106 قراءة 

ترقب امر تاريخي الليلة

كريتر سكاي | 4399 قراءة 

مصادر سياسية تكشف عن تحولات طارئة ستعيد صياغة المعادلة السياسية والعسكرية في اليمن

نيوز لاين | 3383 قراءة 

الكشف عن مصير صادم لصرف المرتبات

كريتر سكاي | 3308 قراءة 

الكشف عن وثائق سرية كتبها السنوار بخط يده عن أماكن الأسرى الإسرائيليين (صور)

مساحة نت | 2919 قراءة 

تحولات طارئة في المعادلة السياسية والعسكرية.. مصادر سياسية تكشف تفاصيل ما سيحدث في الايام القادمة

وطن الغد | 2573 قراءة 

إيران تتهم هذه الدولة العربية بالسماح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي لضرب أراضيها

مساحة نت | 2439 قراءة 

الرعب يخيم على الحوثي.. مناورة عسكرية في ”الساحل الغربي” استعدادا لهجمات برية وبحرية وسلاح جديد يدخل على الخط

المشهد اليمني | 2110 قراءة 

حادث مميت لطيارتين أمريكيتين نفذتا ضربات ضد الحوثيين في اليمن

المشهد اليمني | 2078 قراءة 

عاجل:نهاية الشوط الاول لمباراة التاهل بين اليمن للناشئين امام فيتنام بهذه النتيجة

كريتر سكاي | 2065 قراءة