أصبح البحر الأحمر، الطريق البحري الحيوي الذي يربط أوروبا بآسيا، مؤخرًا بؤرة لعدم الاستقرار. و مع تزايد الاضطرابات السياسية وحوادث القرصنة، أصبحت الحاجة إلى أمن بحري قوي أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
ومع ذلك، في ظل هذه الأزمة، يبرز غياب منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في الصين لمكافحة القرصنة (APEF)، الذي كان رمزًا لتأثير الصين البحري المتنامي، بشكل بارز. و هذا الغياب لا يثير تساؤلاتٍ فقط حول التزام الصين بالأمن البحري العالمي، ولكنه أيضًا يقدم تناقضًا واضحًا مع جهود البحرية الهندية النشطة والمستمرة في المنطقة.
• أهمية البحر الأحمر من الناحية الاستراتيجية:
يعتبر البحر الأحمر أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث يشكل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية. و يربط البحر الأحمر و بحر البلطيق بالمحيط الهندي من خلال قناة السويس، مما يجعله مسارًا رئيسيًا لإمدادات الطاقة والبضائع التجارية بين أوروبا وآسيا. و تتزايد أهمية هذه المنطقة الاستراتيجية بسبب قربها من مناطق الصراع الرئيسية في الشرق الأوسط، مما يجعلها نقطة تركيز لجهود الأمن الدولي.
و يعاني البحر الأحمر وخليج عدن المجاور تاريخيًا من ظاهرة القرصنة، حيث كان القراصنة الصوماليين في وقتٍ ما يهيمنون على العناوين الأخبار الرئيسية بمهاجماتهم الجريئة على السفن التجارية. ردًا على ذلك، نشر المجتمع الدولي، بما في ذلك الصين، قوات بحرية لحماية هذه المياه. و تأسس المنتدى الصيني لمكافحة القرصنة (APEF) في عام 2008 كجزء من هذه الجهود الدولية لحماية هذه المياه، مما يشير ذلك إلى اهتمام بكين المتزايد في تأمين المسارات البحرية العالمية الحيوية لمصالحها الاقتصادية.
• أزمة البحر الأحمر وتداعياتها:
تعتبر الأزمة الحالية في البحر الأحمر خليطًا معقدًا من التوترات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية وعودة ظاهرة القرصنة. وقد أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تقويض الاستقرار في المنطقة، مع شنّ متمردي الحوثي المدعومين من إيران هجماتٍ على السفن من اليمن، بما في ذلك تلك التابعة للهند. و تسببت هذه التطورات في تصاعد مخاطر الشحن التجاري ودفعت على زيادة النشاط البحري من قِبل مختلف الدول لضمان سلامة مسارات الملاحة.
و ردت البحرية الهندية بقوة على هذه الأزمة، مع زيادة دورياتها في بحر العرب والمحيط الهندي. و في ذروة أزمة البحر الأحمر، ارتفع عدد سفن الحرب التابعة للبحرية الهندية في دورياتها من اثنتين فقط إلى 12، مما يشير بوضوح إلى التزام الهند بالحفاظ على الأمن البحري في المنطقة. بالمقابل يلدو غياب منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ الصيني في هذه المياه المضطربة أمرًا محيرًا.
• حذر استراتيجي أم فرصة ضائعة؟
من الممكن أن يكون غياب الصين عن أزمة البحر الأحمر قراراً استراتيجياً، يعكس النهج الحَذِر لبكين تجاه الانجرار في صراعات المنطقة المعقدة. حيث يشير بعض المحللين أن غياب الصين قد يكون وسيلة دقيقة لدعم الحوثيين، المجموعة التابعة لإيران التي تسيطر على مناطق واسعة في اليمن. و من خلال الابتعاد عن الصراع، قد تساهم الصين بشكلٍ غير مباشر في طموحات إيران الإقليمية بينما تواجه تأثير قوى أخرى في البحر الأحمر.
و تتجذر علاقة الصين مع إيران في المصالح الاقتصادية المتبادلة، خاصة من خلال تجارة النفط غير الشرعية.
تعتبر بكين أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة، متجاوزة بذلك العقوبات الأمريكية. و يمكن أن تفسر هذه التبادلية الاقتصادية سبب تردد الصين في إثارة غضب الحوثيين، الذين تجنبوا بشكلٍ ملحوظ استهداف السفن الصينية خلال حملتهم في البحر الأحمر.
علاوة على ذلك، يمكن أن يعكس تردد الصين في الانضمام إلى تحالف بحري بقيادة الولايات المتحدة ضد الحوثيين أيضًا رغبتها في تجنب التحالف مع مصالح واشنطن. و باعتبارها المنافس الجيوسياسي الرئيسي لأمريكا، تسعى بكين جاهدة للحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية، حتى لو يعني ذلك تعريض صورتها كقوة بحرية عالمية للمخاطر. و من بين الأسباب الأخرى المحتملة لغياب الصين تركيزها على التهديدات الأكثر تفاعلية في بحر الصين الجنوبي أو المحيط الهندي، وقيود الموارد والتحديات التشغيلية التي تطرحها البيئة الأمنية المعقدة في البحر الأحمر.
ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا الغياب المحسوب له تبعات كبيرة على مكانة الصين العالمية. فقد يُنظر إلى غياب الصين كعلامة على الارتباط المحدود في الأمان الإقليمي، مما قد يضر بسمعتها كلاعب عالمي مسؤول. علاوة على ذلك، يمكن أن يخلق هذا الفراغ فرصًا لقوى بحرية أخرى، مثل الهند والاتحاد الأوروبي، لزيادة تأثيرها في المنطقة.
• الدور النشط للبحرية الهندية في البحر الأحمر:
في تناقض صارخ مع تقاعس الصين، أظهرت البحرية الهندية التزامها بالأمن البحري من خلال سلسلة من العمليات الجريئة في البحر الأحمر، بحر العرب، وخليج عدن. و يؤكد التواجد البحري المتزايد للهند في هذه المياه، خاصة ردًا على أزمة البحر الأحمر، دورها كـ "حارس للبحار" الموثوق به.
وقد أبرزت العمليات الأخيرة قدرات البحرية الهندية القوية:
•إم ڤي جينكو بيكاردي (18 يناير/ كانون الثاني): بعد هجوم بطائرة مسيرة في خليج عدن، ضمنت البحرية الهندية السفينة وضمنت سلامة طاقمها البالغ عددهم 22 شخصًا، بما في ذلك تسعة هنود.
• إم ڤي مارلين لواندا (26 يناير/ كانون الثاني): ردت إن.إس. فيشاخاباتنام على نداء استغاثة من إم ڤي مارلين لواندا. و قام فريق لإطفاء الحريق مكون من 10 أفراد بمعركة استمرت لست ساعات لإخماد الحريق، مما يوضح ذلك قدرة البحرية على التعامل مع حالات الطوارئ البحرية.
• إم-ڤي إيمان ولورنزو بوا 04 (28 يناير/ كانون الثاني): نجحت البحرية الهندية بسفنها "آي إن إس سوميترا و آي إن إس شاردا" في إنقاذ أفراد الطواقم من سفن تحمل علم إيران وسريلانكا تم اختطافها من قبل قراصنة الصومال، مما يبرز ذلك أيضًا قدرات البحرية في مجال مكافحة القرصنة.
• إم ڤي النعيمي (29 يناير/ كانون الثاني): قامت آي إن إس سوميترا بالتفتيش على السفينة الإيرانية للصيد، ، وأنقذت 19 باكستانيًا كانوا محتجزين رهائن من قبل قراصنة الصومال، ويقوم هذا بتسليط الضوء على التزام البحرية بالجهود الإنسانية على الرغم من التوترات الجيوسياسية.
و هذه العمليات، التي قادها (ماركوس)، أظهرت قدرة البحرية الهندية على الاستجابة بسرعة وبفعالية للتهديدات البحرية. و زيادة عدد السفن الحربية الهندية التي تقوم بدوريات في المنطقة من اثنتين إلى 12 تعكس بشكلٍ واضح الموقف النشط للهند في الحفاظ على الأمن البحري.
و يجمع نهج البحرية الهندية بين المبادئ والمهارات والقوة العسكرية، مما يجعلها "حارس البحار" دون منازع. و هذا التوازن لا يعزز فقط مصداقية الهند كشريك أمني موثوق، ولكنه يرسخ أيضًا موقفها كلاعب رئيسي في ضمان استقرار الطرق البحرية الحيوية.
قرار الصين بالابتعاد عن أزمة البحر الأحمر يبدو أنه خطوة محسوبة، ربما تستند إلى مزيج من تحديد الأولويات الاستراتيجية وإدارة الموارد والحذر السياسي. و في حين قد يساعد هذه النهج الصين على تجنب الانخراط في نزاع معقد، إلا أنه قد يعرض مصالحها للمخاطر ويقلل من مكانتها كقوة عالمية مستعدة للمساهمة في استقرار المنطقة.
و بشكل متناقض تمامًا، تقوم جهود البحرية الهندية النشطة والمستمرة بتسليط الضوء على التزامها بضمان الأمن البحري. و من خلال سلسلة من العمليات الجريئة، لم تحم الهند فقط مصالحها الخاصة، بل ساهمت أيضًا في سلامة الطرق البحرية الدولية. و يسلط هذه الفارق الواضح في النهج الضوء على أهمية أن تكون الهند لاعب موثوق ومسؤول في الأمن البحري العالمي، وهو دور يجعل الهند تتبوأه بشكل متزايد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news