حديث الكساء.. اضطراب الأسانيد والمتن وعمود الإمامة
تعتمد العنصرية الهاشمية بشقيها السني والشيعي، وخاصة الإمامة، على ما يسمى "حديث الكساء" كواحدة من أهم ركائز التمييز العنصري الهاشمي والإمامة، على اعتبار أنها مزية خاصة ببني هاشم في أنهم المقصودون بالتطهير والعصمة في الآية رقم (33) من سورة الأحزاب قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، وهو اجتزاء من سياق خاص بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وتأويل وإسقاط النص على السلالة الهاشمية بشكل عام، الأمر الذي ينافي ويصادم القرآن الكريم في كثير من الأحكام؛ سواء الاصطفاء الخاص، أو الاعتساف والتأويل، والذهاب بالآية في غير مقاصدها، وهذا يدركه الطفل الصغير والجاهل بالعلم قبل العالم وقبل الإنسان الكبير وهو يقرأ الآية ذاتها أو سياق الآيات قبلها، وما تحويه من ألفاظ ومعانٍ، وكذلك هو يصادم العقل والمنطق، كما سنبينه لاحقاً.
فالآية بشكل عام تقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33؛ فكل ألفاظها تتحدث بنون النسوة المخاطب بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم (قرن، بيوتكن، أقمن، آتين، أطعن)، ثم يمنحهن نتيجة هذا الخطاب {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
حديث الكساء يظهر مضطرباً في رواياته المتعددة؛ فمرة يعزى إلى عائشة ومرة إلى أم سلمة –رضي الله عنهما-، بينما الحديثان يرويان عند بعض المحدثين والمفسرين على أنهما تفسير لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب/33 مع أن الآية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أنها لنساء النبي خاصة، كما أوضحنا آنفا، وهذا ما شدد عليه الله -سبحانه وتعالى- في سورة النور من تبرئته لعائشة وحماية عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- من التقول والإفك وما لاكه الناس من الخوض في عرضه. قال الزمخشري: "لو فَليتَ القرآنَ كُلَّه، وفتَّشْتَ عمَّا أَوعَدَ به من العُصاةِ، لم تَرَ اللهَ تعالى قد غلَّظ في شيءٍ تغليظَه في إفكِ عائِشةَ -رِضوانُ اللهِ عليها-، ولا أنزل من الآياتِ القوارعِ المشحونةِ بالوعيدِ الشَّديدِ والعتابِ البَليغِ والزَّجرِ العَنيفِ، واستعظامِ ما رُكِبَ من ذلك، واستِفظاعِ ما أُقدِمَ عليه- ما أنزَلَ فيه على طُرُقٍ مُختَلِفةٍ، وأساليبَ مُفْتنَّةٍ، كُلُّ واحدٍ منها كافٍ في بابِه، ولو لم يُنزِلْ إلَّا هذه الثَّلاثَ لكفى بها؛ حيث جَعَل القذَفَةَ مَلعونينَ في الدَّارَينِ جَميعًا، وتوعَّدَهم بالعذابِ العظيمِ في الآخِرةِ، وبأنَّ ألسِنَتَهم وأيديَهم وأرجُلَهم تشهَدُ عليهم بما أَفَكوا وبَهَتوا، وأنَّه يُوَفِّيهم جزاءَهم الحَقَّ الواجِبَ الذي هم أهلُه، حتى يَعلَموا عند ذلك أنَّ اللهَ هو الحقُّ المُبِينُ، فأوجز في ذلك وأشبَعَ، وفصَّل وأجمَلَ، وأكَّد وكَرَّر، وجاء بما لم يَقَعْ في وعيدِ المُشرِكين عَبَدةِ الأوثانِ إلَّا ما هو دونَه في الفَظاعةِ، وما ذاك إلَّا لأمرٍ. ولقد برَّأ اللهُ تعالى أربعةً بأربعةٍ: برَّأ يوسُفَ بلِسانِ الشَّاهِدِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وبرَّأ موسى من قولِ اليَهودِ فيه بالحَجَرِ الذي ذهَبَ بثَوبِه، وبرَّأ مريمَ بإنطاقِ وَلَدِها حين نادى من حِجْرِها: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وبرَّأ عائِشةَ بهذه الآياتِ العِظامِ في كتابِه المُعجِزِ المتلُوِّ على وَجْهِ الدَّهرِ مِثلَ هذه التبرئةِ بهذه المبالغاتِ؛ فانظُرْ كم بينها وبين تبرئةِ أُولئك! وما ذاك إلَّا لإظهارِ عُلُوِّ منزلةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتنبيهِ على إنافةِ محَلِّ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وخِيرةِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، وحُجَّةِ اللهِ على العالمَينَ، ومن أراد أن يتحقَّقَ عَظَمةَ شَأنِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وتقدُّمَ قَدَمِه، وإحرازَه لقَصَبِ السَّبقِ دون كُلِّ سابقٍ، فليتلَقَّ ذلك من آياتِ الإفكِ، وليتأمَّلْ كيف غَضِبَ اللهُ في حُرمَتِه، وكيف بالَغَ في نفيِ التُّهمةِ عن حجابِه، فإنْ قُلْتَ: إن كانت عائِشةُ هي المرادةَ، فكيف قيل: المُحْصَناتُ؟ قُلتُ: فيه وَجهانِ؛ أحَدُهما: أن يرادَ بالمُحصَناتِ أزواجَ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وأن يُخصَّصْنَ بأنَّ مَن قَذَفَهنَّ فهذا الوعيدُ لاحِقٌ به.. والثَّاني: أنَّها أمُّ المُؤمِنينَ، فجُمِعَت إرادةً لها ولبناتِها مِن نِساءِ الأمَّةِ الموصوفاتِ بالإحصانِ والغَفلةِ والإيمانِ".
وهنا سنورد مختلف الطرق التي روي بها هذا الحديث في كتب الحديث المعتبرة وعلى رأسها صحيحا البخاري ومسلم.
الطريق الأول الذي خص أم سلمة:
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب ، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا سعيد بن زربي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن أم سلمة، قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه فقال: "أين ابن عمك وابناك؟"، فقالت: في البيت. فقال: "ادعيهم". فجاءت إلى علي فقالت: أجب رسول الله أنت وابناك. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة، فمده وبسطه، وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه –عز وجل- فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا".
ومن طريق آخر، قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا عبدالله بن عبدالقدوس، عن الأعمش، عن حكيم بن سعد قال: ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة، فقالت: في بيتي نزلت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33، قالت أم سلمة: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيتي فقال: "لا تأذني لأحد". فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها. ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أحجبه عن أمه وجده، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، ثم جاء علي فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا فجللهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكساء كان عليه، ثم قال: "هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط. قالت: فقلت: يا رسول الله، وأنا؟، قالت: فو الله ما أنعم، وقال: "إنك إلى خير".
الطريق الثاني الذي يخص عائشة:
أما الحديث الآخر الذي يخص عائشة، قال ابن جرير: حدثنا وكيع، حدثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة -رضي الله عنها: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة، وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر به.
طريق آخر للحديث الذي خص عائشة، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سُريج بن يونس أبو الحارث، حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام –يعني ابن حوشب- عن عم له قال: دخلت مع أبي على عائشة، فسألتها عن علي –رضي الله عنه- فقالت –رضي الله عنها: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فألقى عليهم ثوباً، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". قالت: فدنوت منه، فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك؟ فقال: "تنحي، فإنك إلى خير"!
وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العجلي، عن عطية، عن أبي سعيد موقوفاً.
وعند مسلم، حدثنا أبو بكر بن شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير (واللفظ لأبي بكر)، قالا: حدثنا محمد بن بشر عن زكريا، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج النبي –صلى الله عليه وسلم- غداةً وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) الأحزاب (33).
نلاحظ في الأحاديث المذكورة آنفاً أنها تعارض النص القرآني تماماً؛ فآيات القرآن الكريم تتحدث عن نساء النبي خاصة، منذ بداية السياق وحتى نهايته، ولم يعطف عليها أي من أقارب النبي المذكورين، وهو تأديب لهن وتربية إيمانية اجتماعية، وتحصين لهن من أي رجس وهذا التعارض يقدم به القرآن على السنة وإن كانت صحيحة، مع العلم في اضطراب رواياتها واختلاف ألفاظها ومقاصدها.
قال ابن كثير: الذي لا يُشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى، بعد هذا كله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}الأحزاب34، أي: إعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة. قاله قتادة وغير واحد. واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة [الصديقة] بنت الصديق أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
حتى كلام ابن كثير في قوله أن نساء النبي داخلات في هذه الآيات كأنه ساقه عنده على سبيل التبعيض، بينما الخطاب كلياً لهن من بداية الآيات إلى نهايتها.
الطريق الثالث خص واثلة بن الأسقع وفاطمة:
وقد أورد ابن كثير أن غير نساء النبي وقرابته داخلون في هذه الآية، كما في رواية واثلة بن الأسقع، قال ابن كثير: وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، حدثنا شداد أبو عمار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا علياً –رضي الله عنه- فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟ قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت: توجه إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومعه علي وحسن وحسين، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه، أو قال: كساءه، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، "اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق"، وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبدالكريم بن أبي عمير، عن الوليد بن مسلم، عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه، زاد في آخره: قال واثلة: وأنا يا رسول الله –صلى الله عليك- من أهلك؟ قال: "وأنت من أهلي"، قال واثلة: إنها من أرجى ما أرتجي".
وقد ظهر في الحديث اضطراب في ألفاظه ومقاصده، كما جاء في ترجمة واثلة بن الأسقع، عند الذهبي في تاريخ الإسلام، قال: "وقال الأوزاعي: حدثنا أبو عمار، رجل منا قال: حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، قَالَ: جِئْتُ أُرِيدُ عَلِيًّا فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ، فَاجْلِسْ، قَالَ: فَجَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلا، وَدَخَلْتُ مَعَهُمَا، فَدَعَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَسَنًا وَحُسَيْنًا، وَأَجْلَسَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخْذِهِ، وَأَدْنَى فَاطِمَةَ مِنْ حِجْرِهِ وَزَوْجَهَا، ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ فَقَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي، قَالَ وَاثِلَةُ: إِنَّهَا لَمِنْ أَرْجَى مَا أَرْجُو.
هنا لم يذكر أم سلمة، ولا عائشة ولم يذكر أنه نحاهما عنهم، ولم يقل له: إنك إلى خير، وأدخل واثلة في أهل بيته، بينما هو لا يمت إليه بقرابة!
فكيف ينحي الرسول -صلى الله عليه وسلم- زوجتيه عائشة وأم سلمة ويضم واثلة بن الأسقع وهو لا يمت له بصلة؟!
وقد استغرب الترمذي من حديثي العترة والكساء، وقال عنهما غريبين.
ففي الحديث قال عليه السلام: "إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا: كتاب الله، وعترتي: أهل بيتي؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما". قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وأما حديث الكساء، فقد ورد عن عمر بن أبي سلمة: لما نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33 –وذلك في بيت أم سلمة- دعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره [فجلله بكساء]، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي؛ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"، قال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه.
وقد ظهر أيضاً حديث الكساء في اضطراب آخر وروايات متعددة أخرى، كما عند ابن كثير، من مسند الإمام أحمد، قال: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن أبي المعدل، عن عطية الطفاوي، عن أبيه؛ أن أم سلمة حدثته قالت: بينما رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بيتي يوماً إذ قال الخادم: إن فاطمة وعلياً بالسدة، قالت: فقال لي: "قومي فتنحي عن أهل بيتي". قالت: "فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة، ومعهما الحسن والحسين، وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، وقبل فاطمة وقبل علياً، وأغدق عليهم خميصة سوداء، وقال: "اللهم، إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي". قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله؟ صلى الله عليك. قال: "وأنت".
وهذا الحديث لم يذكر آية التطهير، كما أنه أدخل أم سلمة في الكساء، وفي الأحاديث السابقة أنه نحاها وقال لها: "أنت إلى خير"!!
فأي الأحاديث إذاً يمكن الأخذ بها في هذا الموضوع، وقد تشتت ذهن القارئ بأيٍ منها يأخذ؟!
وأهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- هم زوجاته، كما حددها أبو بكر –رضي الله عنه-. ففي صحيح البخاري، أخبرني عبدالله بن عبدالوهاب، أخبرنا خالد، حدثنا شعبة عن واقد، قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر: "عن أبي بكر –رضي الله عنهم- قال: أرقبوا محمداً –صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته".
.... يتبع
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news