عادت محافظة أبين لصدارة المشهد مجددا كساحة رئيسية لحرب خفية وشرسة للحوثيين تستهدف السيطرة على بوابة العبور الاستراتيجية للعاصمة عدن.
فالمحافظة المطلة على بحر العرب والموزعة جغرافيا على السهل والجبل، وتربط 4 محافظات جنوبا وشمالا، تواجه واحدة من أشد الهجمات الحوثية على جميع المستويات أمنيا وعسكريا وسياسيا وحتى اجتماعيا وذلك كجزء من مخططات حوثية تستهدف التمدد جنوبا.
وقدمت التطورات الأخيرة أدلة ومؤشرات جوهرية على تصدر أبين سلم أولويات مليشيات الحوثي كمسرح لحرب مفتوحة تشعل فتيل الصراع جنوبا وتعزل وتضرب المجلس الانتقالي الذي تشكل قواعده الشعبية عمودا لمناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا.
وأبرز دليل على ذلك، تكثيف الحوثيين عملية تجنيد الخلايا في المحافظة ودعم تنظيم القاعدة لتنشيط هجماته ضد قوات الانتقالي، والتوظيف السياسي للإفراج عن فيصل رجب، والاستغلال الأخير لقضية علي عشال ثم اختيار أحمد الرهوي المنحدر من أبين لقيادة حكومتهم غير المعترف بها بصنعاء ضمن أهدافهم التوسعية.
ويلعب الحوثيون على وتر التهميش بحثا عن حواضن لهم في المحافظات الجنوبية كلحج والمهرة وأبين، ويركزون على هذه لعوامل سياسية وجغرافية وعسكرية كونها ظلت تاريخيا رمانة ميزان للجنوب واليمن ككل.
مسارات متعددة
يعمل الحوثيون على مسارات عدة لتحقيق أجنداتهم في أبين، فعلى الجبهة الأمنية يحاولون تجنيد الخلايا وتدريبها وإعادتها إلى المحافظة وتكليفها بعدة مهمات منها الاستقطاب وبناء الحواضن والاغتيالات والاختطافات وغيرها.
وكشفت محاولة اختطاف حوثية لأحد المناهضين للمليشيات الانقلابية في أبين، حجم النشاط المخيف للمليشيات وتنامي التحديات الأمنية في المحافظة.
ووفقا لمصدر أمني تحدث لـ”العين الإخبارية” فقد حاولت خلية للحوثيين يوم 26 يوليو/تموز الماضي اختطاف مناهض للجماعة يدعى علي الدحبول الدماني، من قلب مديرية لودر الخاضعة للشرعية وكانت تستعد نقله لمناطق سيطرة الانقلابيين.
وأوضح المصدر أن قوة أمنية تدخلت فور تلقي بلاغ الاختطاف ونجحت في تعقب الخلية ومطاردتها، إذ تم الاشتباك معها وتحرير المختطف وضبط 4 من أعضائها في آخر حدود أبين مع محافظة البيضاء الخاضعة للحوثي، مشيرا إلى أن التحقيقات قدمت معلومات لضبط مشتبهين تورطوا بالعمل مع الحوثيين وأن الأجهزة الأمنية ستكشف علنا المخططات الإرهابية للمليشيات.
وكانت الأجهزة الأمنية قد ضبطت مؤخرا عدة خلايا حوثية في لودر أبين والضالع وردفان ويافع والمسيمير بلحج.
ووفقا لمصادر إعلامية فأن التحقيقات الأولية أظهرت تكليف المليشيات للخلايا في استقطاب الحواضن واغتيال القادة الجنوبيين ومسؤولين بالحكومة المعترف بها دوليا.
وإلى جانب التحدي الأمني، يضغط الحوثيون على المحافظة عسكريا من الداخل وعلى أطرافها، إذ عملت المليشيات عبر دعم تنظيم القاعدة الإرهابي كجبهة داخلية بالتزامن مع تحريك قواتها وتعزيزها بالسلاح والمقاتلين في الجبهات الحدودية مع لودر ويافع، وفقا لمصدر عسكري تحدث لـ”العين الإخبارية”.
وأكد المصدر أن الدعم الحوثي مؤخرا لتنظيم القاعدة امتد من الطائرات المسيرة إلى الصواريخ منها الحرارية ضمن اتفاق مشترك بين الجماعتين يستهدف حشد القاعدة للإمكانيات جنوبا لاستنزاف قوات الانتقالي خاصة في أبين لتبقى ساحة نشطة في “حرب العصابات”.
أما على المستوى الإعلامي، فقد خصصت مليشيات الحوثي عددا من المنصات والمواقع الإلكترونية الموجهة نحو أبين والجنوب عامة، كما تضخ آلاف المواد التحريضية والتعبوية على وسائل إعلامها، فيما تنشط عشرات الحسابات الوهمية والتي استحدثتها بأسماء عائلات جنوبية على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات وتغذية المناطقية وتمزيق اللحمة المجتمعية.
كما تنخرط آلة الإعلام الإخوانية إلى جانب الماكينة الإعلامية الحوثية بمساندة ناشطين تمولهم دولة إقليمية تدعم سياسيا المليشيات الانقلابية، على رأسهم الإرهابي عادل الحسني ومختار الرحبي وأنيس منصور.
ضرب الجبهة السياسية والاجتماعية
على الجبهة السياسية والاجتماعية، تستغل مليشيات الحوثي الخلفيات السياسية والانتماءات المحلية المختلفة وخاصة في أبين لإيجاد نفوذ لها محاولة نبش إرث الماضي وتوظيف التاريخ وقضايا أخرى لتمرير أهدافها.
ففي أبين التي تنظر لها المليشيات الحوثية كمدخل لإخضاع الجنوب، برز استثمارها السياسي لقضية اللواء فيصل رجب الذي كان معتقلا في سجونها منذ 2015 ورفضت إطلاق سراحه في عدة مشاورات أممية رغم عرض مندوب قوات العمالقة للجماعة 50 أسيرا مقابل إطلاق سراحه.
وفجأة في أبريل/نيسان 2023، أعلنت المليشيات الإفراج عن اللواء رجب بزعم الاستجابة لوفد قبلي من أبين، ورافق ذلك اتخاذ قضية إنسانية عادلة، كورقة سياسية، إذ سوقت المليشيات دعاية كاذبة تصور أن الجانب الجنوبي والحكومي تجاهل الرجل في المشاورات، واستهدفت تعزيز فجوة التهميش في أبين وسعت للتحرك في ردمها.
وهذا المخطط، اتضح جليا، في انخراط المليشيات في التوظيف السياسي للقضية الجنائية لعلي عشال، إذ بعث الحوثيين رسائل لهواتف المواطنين لتحريضهم للاحتشاد من أبين للتظاهر في عدن مما خلف قتيلان وعدة جرحى، وعمدوا نكأ جراح الماضي لإحداث شرخ جنوبي، وهو ما عبرت عنه صراحة إحدى صحفهم بصنعاء من عودة الجنوب لصراع الثمانينيات من القرن الماضي.
أما تعيين أحمد الرهوي رئيسا لحكومة الانقلاب، فلم يأتي محض صدفة أو التزاما حوثيا بالشراكة مع أجنحة سياسية مفرخة، وإنما كان جزءا من الاستراتيجية الحوثية الطويلة لإشعال الصراع المناطقي جنوبا، إذ أن تصدير شخصية منتمية لأبين ولو كان في منصب صوري، هدفه مغازلة أولئك الذين تتعمد الجماعة تصوريهم كمهمشين سياسيا بالمحافظة، ويغذي ذلك عدم تعاطي الشرعية مع الواقع هناك وإسناد أمن أبين وجهود الانتقالي.
وهذا ما تبناه الرهوي في آخر لقاءاته المرئية، إذ تحدث الرجل صراحة عن ضرورة دعم قيادات من عائلات جنوبية ذات جذور تاريخية بالإعلام والسلاح والمال لمواجهة الانتقالي كممثل وحيد للقضية الجنوبية.
وتأكيدا على انسلاخه من هويته، ذهب لوصف زعيم المليشيات بـ”السيد القائد”، وهاجم المحافظات الجنوبية بزعم افتقارها للقبيلة وضعف الوازع الديني، وتبنى ذات فكر تنظيم القاعدة ومرجعيات الإخوان الدينية التي تدعي طمس الحزب الاشتراكي للإسلام عند حكمه للجنوب.
كما ركز الرهوي هجومه على الانتقالي بشكل رئيسي وحاول تصوير أبين أنها تتعرض لتهميش قائم على الفرز المناطقي وزعم أن المخططات الحوثية في يخص الجنوب وأبين هدفها كسر الصورة النمطية ومد جسور العلاقة، محاولا اللعب على العواطف الشعبية، لفصل الجسد الجنوبي.
ووفقا لمراقبين فإن مخططات مليشيات الحوثي وسياستها في المحافظات الجنوبية وخاصة أبين تعكس نواياها المبيتة عسكريا، إذ تنظر للانتقالي على أنه القوة الأكثر فاعلية بين حواضنه الشعبية، التي تُحصين مناطق نفوذ الشرعية وأن ضربه وتفكيك عوامل قوته وانهاكه داخليا يجعلها تنفرد لاحقا ببقية القوى الأخرى بمأرب والساحل.
حراك لإحباط مخططات الحوثي
رغم المخاطر الحوثية في أبين، إلا أن المجلس الانتقالي وأبناء المحافظة وقواتها الأمنية والعسكرية تقف لها بالمرصاد، وهو ما تجلى في الحراك الأخير في المنطقة الوسطى على المستوى الشعبي والقبلي والأمني.
وعقد انتقالي أبين لقاء تشاوريا هو الأول من نوعه لأبناء المنطقة الوسطى في أبين تحت شعار “اصطفاف مجتمعي للدفاع عن الدين والأرض والعرض”، وحمل رسائل تأكيد من الأرض بوحدة الصف أمام التهديدات الحوثية للمحافظة المطلة على بحر العرب.
واستهدف اللقاء تعزيز الجهود السياسية والقبلية والاجتماعية وللسلطة المحلية، للحفاظ على استقرار المنطقة الوسطى وأبين، وترابط نسيجها الاجتماعي، والتصدي لأي تهديدات من قبل مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة.
كما عقد القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي، علي الكثيري اجتماعاً مشتركاً للقادة العسكريين والأمنيين في عدن وأبين لتعزيز التنسيق والتعاون المشترك بين جميع الجهات الأمنية والعسكرية والقيادات المحلية لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة، للحوثيين والتنظيمات الإرهابية خاصة في أبين، خاصرة الجسد الجنوبي اليمني.
وأعترف رئيس الانتقالي في أبين حسن غيثان الكازمي بخطورة الأوضاع في المحافظة إثر محاولة “مليشيات الحوثي نشر الفوضى في المنطقة الوسطى، وسعيها من خلال بعض الجماعات التي أعلنت الارتباط بها، تفكيك النسيج الاجتماعي، وخلق الفتنة وإراقة الدماء”.
لكنه أكد أن هذه الأعمال لن يُسمح بها في أبين صمام أمان الجنوب وسيتم إحباطها والتصدي لها بحزم، داعيا أبناء أبين لمزيدا من لم الشمل والتلاحم لمواجهة التهديدات من الحوثي وحلفائه من التنظيمات الإرهابية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news