شروين المهرة: خاص
شهدت مدينة عدن، عاصمة اليمن المؤقتة، احتجاجات واسعة النطاق يوم السبت الماضي، تطالب بالإفراج عن المختطف علي عشال وغيره من المعتقلين. تحولت هذه الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الانتقالي الجنوبي المدعومين من الإمارات، مما كشف عن أزمة عميقة داخل الإنتقالي وتداعياتها الأمنية والسياسية على المدينة والجنوب بشكل عام.
وتتجاوز أحداث عدن كونها مجرد قمع لمظاهرات، بل تعكس صراعاً داخلياً حاداً على السلطة والنفوذ داخل الانتقالي، فاختطاف علي عشال وغيره من النشطاء ليس إلا حلقة في سلسلة من الصراعات التي تشهدها المؤسسة الأمنية في المجلس، والتي تتنافس على النفوذ والموارد.
وكشفت الأحداث عن فشل مشروع الانتقالي في تحقيق أهدافه المعلنة، والتي تتمثل في تحقيق الاستقرار وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، فبدلاً من ذلك، شهد الجنوب تدهوراً أمنياً واقتصادياً، وازدادت حدة الصراعات الداخلية، ولجأ الانتقالي إلى القمع وسيلة لفرض سيطرته على الوضع، حيث تم قمع المظاهرات السلمية واعتقال النشطاء والصحفيين.
وفي تناول عميق للأحداث، حذر الصحفي محمد سلمان من تداعيات خطيرة لهذه الاحتجاجات والمواجهات، واصفًا إياها “ثقيلة مشبعة بالقلق والتوجسات”، مؤكدًا أن القضية تتجاوز كونها مجرد اختطاف فرد، بل تعكس صراعًا أوسع على النفوذ والسلطة داخل المجلس الانتقالي الجنوبي.
وأشار سلمان إلى أن “قضية عشال المختطف متداخلة التوصيف، هي جنائية على خلفية صراع مافيات البسط على الأراضي، وهي سياسية لأن من قام بفعل الخطف أو المتهم بها هي جهة أمنية، إنحرفت عن واجباتها وأنتقلت من مكافحة الإرهاب كما هو حال إسمها، إلى ممارسة الإرهاب”.
وأكد أن “فوضى الأجهزة تلك وعدم هيكلتها يسحب الكثير من صدقية شعارات الإنتقالي، ويضعف مشروعه السياسي، يؤلب عليه بدلاً أن يلتف حوله الناس”.
وأضاف أن هذه الإختلالات “توفر أرضية لقوى العنف والإرهاب وعموم خصومه للتداخل معها، وتغذيتها إعلامياً لنقل المواجهة إلى مرحلة تتخطى أجهزة الأمن، إلى الإطاحة بالمجلس الإنتقالي”.
ودعا سلمان الانتقالي إلى “رفع سقف الحريات وصون الحقوق العامة وإعلاء شأن القانون، وإخضاع السجون لسلطة القضاء، وتصفير المعتقلات، وإدانة نهج الإخفاء القسري وبيوت الأشباح السرية”، محذرًا من أن استمرار الوضع على ما هو عليه “سيبقى أسير الوهم الذي تسوقه البطانة، من أن كل شيء في أحسن حال”.
ويرى الباحث والكاتب الصحفي ياسين التميمي “أن المهمة الأمنية للانتقالي الجنوبي وأدواته العسكرية تدور حول الإرهاب، وهي مهمة لم تخضع للمحاسبة حتى اليوم، واستخدمت فيها أقذر الوسائل، بمشاركة مرتزقة من الخارج، بينهم ضباط إسرائيليون وأمريكيون سابقون.
وأضاف التميمي أن مظاهرة اليوم في ساحة العروض قوبلت بالرصاص، وهناك أنباء عن سقوط إصابات وربما استشهاد أحد المشاركين في التظاهرة التي خرجت للمطالبة بمصير المختطف علي عشال الجعدني، الذي ينتمي لمحافظة أبين والعشرات من المخفيين الآخرين.
وكشف أمن عدن عن تورط عناصر محسوبة على وحدة مكافحة الإرهاب التي يقودها يسران المقطري في هذا الاختطاف، في أول إجراء من نوعه يمس ضابطًا كان ولا يزال أحد الأذرع المهمة للإمارات.
وأوضح التميمي أن هذا يفسر الرد الجريء من قبل يسران عبر تسجيل مصور من الإمارات، والذي أكد فيه عدم اكتراثه بالاتهامات الموجهة إليه واعتداده بعمليات القتل التي شارك فيها عامي 2018 و2019، وتوعده بمواصلة العمل تحت هذه اليافطة.
وانتقد التميمي الانتقالي، مشيرًا إلى أنه وعد الجنوبيين باستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية في صيغة الجنوب العربي، لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف، وأعاد الجنوب إلى أجواء 1986.
وأوضح أن الانتقالي أمعن في تقديم نماذج سيئة شملت التضييق المعيشي ونهب الموارد السائبة من سلطة الدولة اليمنية، والتضييق الأمني ونشر الرعب، وأخيرًا قمع المتظاهرين وقتلهم في مواجهات تطغى عليها الأبعاد المناطقية والحسابات الضيقة.
وفي تغريدة له، انتقد العميد خالد النسي بشدة قمع التظاهرة السلمية التي دعت للإفراج عن الناشط علي عشال، محملًا المسؤولية المباشرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في هذا القمع، مؤكدًا أن استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين كان خطأ فادحًا.
وشدد النسي على أن الانتقالي كان يجب أن يستمع إلى صوت الشارع ويحترم إرادة الجنوبيين، بدلاً من اللجوء إلى القمع. ودعا النسي المجلس إلى أن يكون جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة، وأن يعمل على حماية المتظاهرين السلميين بدلاً من قمعهم.
وأشار النسي إلى أن تجربة الماضي أثبتت فشل سياسة القمع، مؤكدًا أن الحراك الجنوبي استطاع الصمود في وجه القمع الحكومي اليمني سابقًا، داعيًا الانتقالي إلى الاستفادة من هذه الدروس وعدم تكرار نفس الأخطاء.
وقبل موعد إقامة مليونية “عشال” في ساحة العروض بمحافظة عدن، وجه أحمد لملس، الذي يُتهم بانتحال صفة محافظ عدن، بمنع إقامة مليونية “عشال”، بحجة الكشف عن الجُناة وتحويل القضية للنيابة العامة. ووفقًا لتوجيهاته، تم إبلاغ وحدات الانتقالي العسكرية بعدم السماح بإقامة الفعالية والتعامل مع أي محاولات.
من جانبها، عممت عمليات مليشيا الانتقالي التابعة للإمارات برفع درجة الاستعداد واليقظة في معسكراتها وتعزيز الانتشار الأمني، وعدم السماح لأي فعالية بالتظاهر في محافظات عدن ولحج وأبين وباقي المحافظات.
ووصف تعميم عمليات الانتقالي قبائل أبين بالعناصر المشبوهة، فيما أعربت اللجنة المنطقة لمليونية عشال في بيانها عن أسفها الشديد للتعليمات التي أصدرتها القوات المسلحة الجنوبية بمنع هذه المليونية السلمية، مؤكدة على حق المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم ومطالبهم المشروعة.
وشددت اللجنة على أن المليونية سلمية وتهدف إلى الضغط على السلطات للإفراج عن المختطفين وكشف مصير المفقودين، مؤكدة على التزامها بالقانون والنظام، كما دعت كافة أبناء الشعب الجنوبي إلى المشاركة الفاعلة في هذه المليونية، محملة الجهات الأمنية المسؤولية الكاملة عن سلامة المتظاهرين.
تابعوا شروين المهرة على
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news