مضت 10 أيام على القصف الإسرائيلي على مرافق الوقود في ميناء "الحديدة"، بينما ما زال الرد الحوثي غائبا، كما رافقه شلل مفاجئ لهجمات المليشيات ضد سفن الشحن في الممرات المائية.
وأثار هذا الوضع الكثير من التساؤلات على الساحة اليمنية وخارجها حول أسباب فشل الهجمات البحرية للحوثيين وتأخر ردهم على إسرائيل، رغم استمرار توعد المليشيات على لسان كبار قادتها بأن "الرد آت".
ويرى مراقبون وخبراء يمنيون أن هناك حسابات محلية ودولية احتكمت لها مليشيات الحوثي، بما في ذلك انتظار التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله بعد سقوط صاروخ على مجدل شمس، وهو ما سيجبر المليشيات الحوثية من إيران تفعيل "الجبهة البعيدة" رغم محدودية وتأثير قدراتها.
ارتباك وتموضع وتنسيق مشترك
على الأرض، أربكت الضربة الإسرائيلية غير المتوقعة، مليشيات الحوثي، والتي أبلغت على الفور كبار قياداتها العسكرية والأمنية المنتشرة على السواحل الغربية للبلاد بالانتقال إلى صنعاء، حيث اتخذت هناك حزمة إجراءات لحماية كبار القادة، وفق مصادر خاصة نقل عنها موقع العين الإخبارية.
وأثر إعادة تموضع القيادات الحوثية على الهجمات البحرية، حيث واجهت المليشيات فشلا ذريعا خلال الـ10 أيام السابقة في تنفيذ أي هجوم، قابله استجابة دفاعية قوية من قبل القوات الأمريكية والتي ضربت خلال ذات الفترة، أكثر من 21 هدفا حوثيا في 4 محافظات هي حجة وصعدة وتعز والحديدة.
ووفقا لبيانات القيادة المركزية الأمريكية فإنها دمرت منذ 20 يوليو/تموز (يوم وقوع الغارات الإسرائيلية على الحديدة) نحو 8 طائرات مسيرة حوثية، و7 زوارق مسيرة، و4 منصات إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار، وصاروخين كروز معدين للإطلاق في المناطق الخاضعة للحوثيين.
أما بشأن الرد على إسرائيل، فقد "تحركت مليشيات الحوثي على الفور وطالبت وكلاء إيران خاصة في سوريا والعراق للاشتراك معها في استهداف إسرائيل لتجنب الرد الإسرائيلي المؤثر وذلك بعد أن ألحقت أول ضربة في تاريخ البلاد خسائر بميناء الحديدة تقدر بـ20 مليون دولار وخسائر أخرى بمنشآت النفط تقدر بـ50 مليون دولار"، بحسب محللين.
كما أن هناك سببا آخر لربط الحوثيين ردهم المشترك بأذرع إيران ويتعلق بقدرات الجماعة، إذ وجدت المليشيات محدودية تأثير أسلحتها على إسرائيل من "الجبهة الجنوبية البعيدة" وخاصة الصواريخ بعيدة المدى باهظة الكلفة والتي يتم اعتراضها غالبا.
وللتغلب على ذلك، وفق مصادر "العين الإخبارية"، فأن المليشيات الحوثية طرحت خيارات عدة، من بينها الاعتماد أولا على المسيرات ثم الصواريخ والتبني إعلاميا لهجمات ينفذها أذرع إيران على مصالح إسرائيل بالخارج.
عوامل محلية ودولية
مراقبون وخبراء يمنيون أرجعوا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" تراجع هجمات الحوثي البحرية وتأخر الرد على إسرائيل بعوامل عدة، منها محليا حصول المليشيات المكاسب خاصة بالتدفقات المالية للجماعة إثر إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن وحصولها على صلاحيات لتسيير رحلات جوية من مطار صنعاء إلى عدة وجهات.
أما دوليا، فإن رد مليشيات الحوثي على الغارات الإسرائيلية سيكون محكوما بحسابات لا يمكن أن تتجاوزها المليشيات، حتى وإن رد الحوثيين، فلن يكون إلا في نطاق المسموح به، أي أنه سيكون أقل خطورة، كذلك ستعمل الجماعة لاستمرار هجماتها البحرية التي جلبت لها شعبية أكبر داخل وخارج اليمن، وفقا للخبراء.
الخبير العسكري اليمني، العميد صالح بلال، اعتبر أن "ثمة اتفاق" بين من وصفهم بـ" الكبار" الذين يتنازعون على حصصهم في المنطقة، ويقومون بترتيب وضبط عملية "الفعل ورد الفعل" الجارية، ويتجاوز ذلك الإطارين المحلي والإقليمي، إلى الدولي حيث تتداخل المصالح.
وقال بلال إن "هؤلاء الكبار قد يسمحون -في مرحلة ما- برد محدود لمليشيات الحوثي، في إطار ما أسماه إبقاء "التصعيد المتبادل" بين الجانبين، وبما يضمن عدم الضرر، على أن يُبقي ذلك ماء الوجه لأذرع إيران في المنطقة".
وهذا ما علق عليه الباحث السياسي اليمني، صالح باراس، قائلا إنه "مهما وصل صخب وضجيج أذرع إيران ضد إسرائيل فهو محكوم بـ"قواعد اشتباك" تضبط ردود المحور الإيراني على إسرائيل، من العراق مرورا بسوريا ولبنان واليمن".
وأضاف باراس أن "المسيرة الحوثية التي تسللت إلى تل أبيب كان ثمنها كبيرا في الحديدة، إثر حضور الانتقام الإسرائيلي ردا لكسر أذرع إيران، التي تتخذ من نصرة الفلسطينيين شعارا شعبويا، حدود القواعد المرسومة.
واعتبر باراس أنه "من الصعب توقع رد قوي لمليشيات الحوثي، إذ سيكون في سياق القواعد التي لا يتم تجاوزها، كما أنها مقيدة بخيارات الصواريخ والمسيرات الإيرانية ذات الأثر المحدود، بالإضافة إلى أن الرد الحوثي قد يتغير حال ضربت إسرائيل، "حزب الله" اللبناني بعد حادثة مجدل شمس".
لكن في حال هاجمت إسرائيل لبنان فلن تقدم مليشيات الحوثي "إلا ضجيجا، كنصرتها لغزة؛ ولذا حتى لو استمر الوعيد الحوثي فأن قدراته لن تؤثر على إسرائيل ولن توازي ما أحدثته إسرائيل من خسائر في الحديدة"، وفق باراس.
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي اليمني، باسم الحكيمي، إن "ضرب إسرائيل مخازن الوقود في ميناء الحديدة جعل توقع الرد الحوثي غير متوقع الحدوث، لكن المليشيات قد تنخرط مجددا مع حزب الله لإسقاط الواجب والحرج عنه حال ضربت إسرائيل جنوب لبنان وذلك لإبقاء اليمن منصة إيرانية في خدمة أولويات طهران بالمنطقة.
وأعرب الحكيمي عن اعتقاده أن تأخر رد الحوثي على الغارات الإسرائيلية جاء بعد حصوله على مكاسب إثر إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن؛ بسبب ضغوط دولية وأممية كجزء من صفقة احتواء الرد على إسرائيل.
ويشير من جهته، الإعلامي والمحلل السياسي اليمني عمر حسن إلى أن الموقف الحوثي مرتبط بالوضع بين حزب الله وإسرائيل، بعد القصف على مجدل شمس، والذي نفى حزب الله مسؤوليته عنه، بينما تصر إسرائيل على وقوفه وراء الهجوم وتحمله المسؤولية عنه.
وقال حسن إن "مصلحة الحوثيين كانت تقتضي عدم اتخاذ أي خطوة تصعيدية للظفر بالمكاسب من خصومهم المحليين، لكن المواجهة بين حزب الله وإسرائيل ستفرض على المليشيات تأجيل مصالحها الداخلية والتعامل مع المتغيرات الجديدة التي تتلاءم مع الأهداف الإستراتيجية لإيران".
وأكد أن الحوثيون سينخرطون ضمن "الجبهات المتعددة" ضد إسرائيل وسيكون أمام المليشيات الاعتماد على الطائرات المسيرة والصواريخ في استهداف إسرائيل ومصالحها بالخارج لشغل إسرائيل من الجبهة البعيدة وتخفيف تأثير وفاعلية هجومها المحتمل على "حزب الله" بلبنان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news